23-04-2020 03:01 PM
بقلم : الدكتور علي الصلاحين
ما أروعها من كلمة، وما أعظمها من عبارة.. نعم ليست حديثا نبويا، ولكنها حقيقة واقعة، ووصفة مجربة.. من تفاءل بالخير وجده، ومن سعى للسعادة حصلها، ومن عاش التشاؤم قتله والمرء يختار لنفسه، فكل من التفاؤل والتشاؤم فن يحسنه نوع من الناس، ويجلبه إلى نفسه وحياته، وينقله إلى من حوله.
التفاؤل فن تصنعه النفوس الواثقة بفرج الله، فمن عرف باب الأمل لا يعرف كلمة المستحيل، ومن عرف حقيقة ربه لم يتوقع إلا الجميل.
التفاؤل من الصفات الرئيسية لأي شخصية ناجحة فهو يزرع الأمل ويعمق الثقة بالنفس، ويحفز على النشاط والعمل، وهذه كلها عناصر لا غنى عنها لتحقيق الفوز والنجاح.
وكثير ما يمر بالإنسان لحظات حرجة ، يكون فيها في مفترق الطرق ، تتلاطمه فيها أمواج الحياة بمشاكلها ومنغصاتها ، فتقتل الابتسامة في وجهة ، وتقضي على الفرحة في قلبه ، تضيق عليه الدنيا بما رحبت ، تستحكم حلقات الضيق عليه حتى يظن أنها لن تفرج أبداً ، حتى يتسرب اليأس إلى نفسه ، والخور وضعف الهمة إلى قلبه ، فيقعد مستسلماً واضعاً يده على خده منتظراً حتفه ونهايته على الوضع الذي تقتضيه الأحداث دون أن يُحاول أو يُقاوم .
ويأتي الإيمان كقوة دفع حقيقية كي يُكسب صاحبه القوة والشجاعة ، ويلبسه حُلة الأمل والقدرة على التغيير للأفضل ، والتحكم في مجريات الأمور ، إنه خلق التفاؤل الذي يبعث في النفس الحيوية ، ويُجدد فيها النشاط ، ويُكسبها القوة والقدرة على التصدر للأحداث مهما عظم خطرها ، ومهما استفحل أمرها ، فيبددها وينتصر عليها.الإيمان هو المصدر الحقيقي الذي يستقي منه الناس تفاؤلهم في الحياة ، فهو المعين الصافي الذي يتزودون منه ، ويُثبتهم إذا ادلهمت الخطوب ، ويمنحهم القوى إذا أصابهم الضعف ، ويملأ قلوبهم باليقين إذا تسرب إليهم اليأس ، إنه الإيمان الذي متى رسخ في قلب العبد حطم الصعاب وتخطى الحواجز ، واجتاز السدود ، وتغلب على كل العقبات.
الإيمان مصدر تفاؤل الإنسان لأنه يمنحه القوة الحقيقية التي لا تُقهر ولا تُهزم ، لأن المؤمن يعلم أن الله هو القادر لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
الإيمان من أكبر المصادر التي تمنح الإنسان التفاؤل والإقبال ، فالإنسان المؤمن يعتقد اعتقاداً جازماً بهيمنة الله على الكون ، وسيطرته على مقاليد الأمور كلها.
فكيف ييأس عبد أصابه الفقر وإلهه الله رب العالمين الذي بيده خزائن السماوات والأرض ، عطاياه بلا حدود لا تنفد من كثر العطاء ، ولا تقل من كثرة المنح والعطايا “وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ”.
وكيف ييأس عبد مريض وإلهه الله رب العالمين قادر أن يشفيه ، وإن عجز الأطباء عن علاجه ، وقد شفى أيوب من قبل وقد عجز عن شفائه أطباء عصره ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ"
وثقة إبراهيم عليه السلام في شفائه حين قال “وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”.
وكيف ييأس عبد وربه يناديه إن هو أدبر ، ويفرح بتوبته إن هو أقبل ، إله يجازيه الحسنة بعشر أمثالها ، والسيئة بمثلها ، وإن تاب غفرها له ، إلله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
إنه الإيمان الذي يدب الحياة في النفس الميتة باليأس والقنوط فإذا هي شعلة من النشاط والهمة العالية ، فالله هو الذي يبني في تلك النفس التفاؤل ويُحيي فيها الأمل ، ويجدد فيها النشاط ، حينما يخاطب جانب الفطرة فيها ويجعلها دائماً تظن الخير ، وتتوقع الخير ، وترجو الخير ، وتسعى إلى الخير. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً”
وكأنه نداء من العزيز الرحيم قدم الظن الخير تلاقيه ، وتفاءل بالحسن تجده ، وأقبل فسوف تجد الله يقبل عليك.
الدكتور علي الصلاحين.