12-03-2020 10:16 AM
بقلم : الدكتور علي الصلاحين
لا أحد يعرف على وجه التحديد ما هو الغباء، ورغم أنه لا يوجد تعريف أو مقياس للغباء، إلا أن أحداً لا يشكك في وجوده كإحدى الصفات الحياتية المرتبطة بأسلوب حياة البشر.
ووفقاً للمؤرخ وأستاذ علم السياسة، بيت كين، فإن "المشكلة الحقيقية في الغباء أننا لم نمتلك بعد تعريفاً واضحا ومحددا له، ولهذا السبب فإن مَن يعدّون عباقرة ينظر إليهم الآخرون (الأغبياء)، على أنهم هم الأغبياء أو المجانين، لأنه أيضاً لا يوجد تعريف واضح للعباقرة".
ووفق موقع "بيزنس أوف انوفيشن"، فإن أحداً لا ينكر وجود الغباء وتفاوته ، والمحزن أن هناك الكثير من الأغبياء في الحياة يتضح دورهم ووجودهم من خلال الطريقة التي تدار بها التعاملات الحياتية اليومية، بل يرى البعض أن العالم يدار بواسطة الأغبياء فقط.
وترى سوزان هيث فيلد أن الإدارات والمسؤولين يقومون بتصرفات غبية معقدة ومتعمّدة في محاولة منهم للإيقاع بين العاملين لديهم أو إفساد علاقاتهم الشخصية بدلاً من أن يتحالفوا ضد المديرين، ونضرب مثالاً المدير الذي يفشل في وضع سياسة العمل ثم يأتي ليسأل لماذا فشل الموظفون في تأدية أعمالهم؟.
ويرى كارلو ماريو تشيبولا عدة مبادئ أساسية تتعلق بالغباء، تتمثّل في أنه ليس بالضرورة أن يكون الشخص الغبي، كامل الغباء لا يفهم في أي شيء على الاطلاق، وثانيها أن الشخص يكون غبياً إذا تسبّب بأضرار للآخرين مرّةً ثم كررها دون أن يستفيد من أخطائه السابقة، أو لربما زاد في الغباء ليتسبب بأضرار لنفسه، وثالثها أن الشخص غير الغبي عادة يدرك الأخطار المحتملة التي يمكن أن يتعرّض لها من جانب الأشخاص الآخرين الأغبياء، ويكون عادة في كل الظروف والأوقات،او قد تكون هي الشعرة التي لا تكاد تفصل بين الجنون والعبقرية.
"يولد البشر جميعاً ومستوى غبائهم في الدرجة الثالثة " ضمن مستوى متدرّج من صفر إلى خمس درجات، حيث أن الدرجة صفر تعني الأقل غباءً وخمسة تعني الأكثر غباءً.
ولو أصبح لدينا مقياس واضح لمستوى غباء البشر يمكّن كل انسان من معرفة مستوى غبائه، ربما يندهش كثيرون من تمتعهم بقدر كبير من الغباء. والواقع أن تشارلز داروين، في كتابه حول تطور المخلوقات، تجاهل واحدة من أهم حقائق البشر وهي تفاصيل الغباء وتطوره.
وبالمقاييس التجارية، هناك مقياس مختلف للغباء يطلق عليه "مقياس وول ستريت"، ففي اليوم الذي تحوّل فيه موقع "تويتر" إلى موقع جماهيري، لم يكن ذلك بالمقياس المالي فقط من حيث زيادة قيمته السوقية، وإنما من خلال تأثيره المباشر على هؤلاء الذين يرتادونه ويستخدمون رسائلهم في توجيه أو التأثير على السوق أو معرفة توجهاته، فيما يمكن اعتباره أداة قياس جديدة.
كتب جورج كارلين: "لقد قلت مراراً إن الأغبياء خطر كبير، ربما لأنهم يكونون مسليين ومزعجين معظم الوقت".
ويضيف "ربما صادفك موظف غبي في مكان عمله يرى نفسه قادراً على فعل أشياء لا يمكنه في الواقع فعلها إلا لمجرد أنه قضى سنوات عمل طويلة جعلته يعتقد أنه الأفضل في مجاله، أو قد يكون أحد الموظفين البيروقراطيين الذين يفسدون كل شيء ويضيّعون الوقت والجهد هباءً لمجرد إنفاذ القانون في أمور إدارية جوفاء، والكثير منهم تسبب في كوارث ويفلتون من العقاب، ولا أحد ينتبه إلى ما فعلوه".
ويرى العلماء أن الأشخاص العباقرة والأذكياء يندمجون في محيطهم ويتجاوزن المشكلات والأزمات، لكن العالم أخيراً بات مليئاً بالمعتوهين والأغبياءالذين يزجون بأنفسهم في أشياء التي لا تخصهم ولا تعنيهم على الإطلاق.
والأخطر أن كثيرين من هؤلاء المعتوهين والأغبياء يرغبون في السيطرة والحصول على اسباب القوة، رغم أنهم لا يعرفون على وجه الحقيقة وماذا يصنعون بها، لكنهم رغم ذلك حريصون على تحصيلها وعلى تحصيل المزيد والمزيد منها .
ويقول العلماء: هذا ومع أن الأغبياء، يدّعون أنهم أذكياء، إلا أنهم في داخل أنفسهم يدركون مدى غبائهم ويتحسّسون من الناس الآخرين الطبيعيين.
وضمن نظرية الغباء وهو الكتاب الذي كتبه ماتس ألفيسون وأندريه سبيسر، ورد أن "هناك إجماعاً على أن النجاح الاقتصادي بات معتمداً على المعرفة والذكاء أكثر من اعتماده على القوة البدنية وبذل الجهد العضلي، وبالتالي بات دعم قدرات الموظفين المعرفية والادراكيه أكثر أهمية لإنجاح المنظومات الاقتصادية، وينفق عليه الكثير بينما نحن لا نلتفت إليه".
ويؤكد علماء في دراساتهم أن "الملفت أن الغباء الوظيفي، في معظم الأحيان وفي كثير من المؤسسات، قائم وتدعمه قرارات إدارية وأعراف وظيفية ثابتة. أن تكون ماهراً ومتقناً لما تفعله، أمر جيد وضروري، لكن أيضاً عليك أن تتمتع بالمرونة والحذر تجاه أمور منها المطالب الوظيفية والترقيات والمهام والأهداف".
ويشير البعض إلى أن الغباء الوظيفي أو التعامل وفق النظام التقليدي، بغبائه، ربما يكون مفيداً جداً في تجاوز تلك العقبات، وربما أيضاً يكون هاما في جعل الأشخاص متفرغين للتركيز في مهامهم وأعمالهم بدلاً من الانشغال بأمور وظيفية خاصة، لا شك في أن من حقهم التفكير فيها والمطالبة بها، وهو ما يمكن في المؤسسات أن يعطل سير العمل.
وتنتهي النظرية إلى أن "الغباء الوظيفي تم اختراعه واعتماده بشكل متعمّد وليس قائماً على مجرد خطأ أو قصور عقلي، بناءً على النتائج والتجارب المتعددة، أو بمعنى آخر، فإن التزام العاملين في المؤسسات بمحددات النظام الوظيفي، على ما عليه من غباء تاريخي متوارث، ربما يكون أحد أسباب بقاء المؤسسات بالأساس.
الدكتور علي الصلاحين.