29-02-2020 10:15 AM
بقلم : شريده عبدالرحمن الشريدة
بعد انتهاء إحدى المحاضرات، دعاني أحد الأصدقاء لتناول الغداء في أحد مطاعم أحياء عمان الراقية، وطبعا مثل ما هو الدّارج( ما في قطّ بهرب من عرس)، بعد انطلاقنا من المفرق على أغنية (مجوز حوران درازي)، وأنا اردعه عن(الزغاريت) طيل الوقت، علمًا أنّي قدر الإمكان كنت أحاول (مداراة) حركة قدمي المضطربة عنه، وهي تضرب بأرضية السيارة تبعًا للحن بحيث (ردفة) مع كل (دقَّة)، اعترف أني فاشلا في هذا السياق، يبدو أنّ مثل هذه التصرفات لن تتعلمها في مهارات القيادة رغم أن النَّخ وهزّ الذنب يسبق اليوم المهارات العلمية فالقيادة تحتاج لدبّيك، وأتذكر شخصية جبر في المرقَص وهو يقول: هالله علينا هالله علينا بعد أن باع الأرض في أم الكروم والتحق ب (ربعه).
كلما اقتربنا من المطعم المنشود بدت عمّان أكثر رأسمالية، فقد تبدو لباحث عن وظيفة من الريف كخط إنتاج، لا يوجد لقوته البدنية مكانا به في ظل حداثة تلك النظم، وإن حصل ووجد لنفسه متسعًا سوف يكون تحت وطأة الخوف من الاستغناء عن الخدمات بسبب التطّور المستمر، فتتسع لديه رقعة الأمان ويختزل قريته بحضنٍ دافئ يستطيع أن يحتضنه ويلتفّه كما يُمسك كاسة الشاي، يستدفئ بها معنويا وماديًّا مع كل رشفة بطيئة يرافقها صوت لا اعرف كيفية التّعبير عنه، ويحاول أن يفكّر في الجانب النفسي غير الملموس الذي خلّفه أدم سميث في كتابة ثروة الأمم.
لا بدّ وأن يتفكّر كم يلزمه من (الدنانير) كي يكون تحت المجهّرخاصةً وإن كان شره في البحث عن ذلك، ربما يلزمه أن يحفظ نظرية اللون لينسّق ملابسه يوميّا تبعًا لها كي ينال الاستحسان ويرضي شهوة تمثلاته الشخصية في عين الناقد الشّبق، قد يتمثّل لنفسه صورته وهو يرتقي السّلم الوظيفي محاولًا إغلاق صفقة من وراء ذلك الزجاج الذي يكسو المجمّعات التجارية، وأصابعه الصغيرة تحاول القبض على سيجار كوهيبا من(هافانا)، بعد إدراكه أن لون (الجرابات) بحسب قواعد(الإيتيكيت) يجب أن يكون امتدادا للون البنطال، وربطة العنق لا تتجاوز مستوى الخصر كما لا تقل، ويتعلّم كيف تصبح القرفة(سنمن) والزهورات التي لم يكن يشربها( ما حدا قايللها بيش) تصبح الأعلى ثمنًا فربما لها ميزة تنافسية يعكس بها انتظامه الصّحي فيزداد رفعةً في هرم ماسلو، ويعتاد ضعف العلاقات الأوليّة فلا يوجد وقت للعلاقات طويلة الأمد، فالكل يرغب أن يندمج بالجماعة المناسبة للوضع الجديد.
قد يفكّر بأن يرفض ذلك السيناريو ويفضّل أن يبقى على الهامش سابحًا بالفضاء الخارجي معدوم الوزن على أن يكون بالقرب من مركز الجاذبية، فرويدًا رويدًا قد تستهلكه المظاهر ويصبح كالإنسان ذو البعد الواحد فالغالبية تحاول ركوب الموجة، حتى وإن كان ذا شان في بلدته ففي المدينة ينكمش معيار النّسب مقابل التّحصيل، والمكانة الموروثة مقابل المكانة المكتسبة ولهذا تحديدًا أفسّر رفض الكثير للاندماج، كي يحافظ على نفسه بعيدًا عن أزمة الهويّة حتى وإن كانت لديه عادات وأحكام مرفوضة، في حين لا يلزمك بالمجتمع الريفي المتجانس الكثير من التغيير لكي تُلاحظ أو تُنبذ.
كم يثير إعجابي العبقري وليام جيمس في كتابه مبادئ السيكولوجيا حينما أورد قائلًا: " لا يمكن ابتكار عقاب أشد شيطانية، إن كان شيء كهذا ممكنًا ماديًّا، من أن ينطلق المرء ساعيًا في المجتمع دون أن يلاحظه أحد بالمرة ".
Shrayedeh.alshraiedeh@gmail.com