04-05-2019 08:37 AM
سرايا -
لعل اثنتين من الجمل اللتين تنقلتا بين الملك ومدير المخابرات قادرتان على شرح شقّ أساسي من المرحلة الحالية وأولوياتها، خصوصاً وهما اللتان تضمنتا بوضوح الحديث عن “مرتكزات” في الدولة، حيث يذكر الملك عبد الله الثاني مدير مخابراته الجنرال أحمد حسني “بأن الدائرة تصدّت لكل من تسول له نفسه محاولة العبث بالمرتكزات الدستورية”، فيجيب حسني “في كتابه الجوابي المطول” سنتعامل بحزم مع كل محاولات المساس بالثوابت الوطنية الأردنية، والتصدي بعزم وقوة لكل من تسول له نفسه العبث بالمرتكزات الدستورية”.
بتعبير “المرتكزات الدستورية” يتناقل الملك مع مدير المخابرات المشهد في الكتاب الملكي التكليفي والجواب عليه، وهنا أساساً، استحداثٌ لطريقة تكليف لم يعهدها الأردنيون مع مدراء المخابرات في السابق.
التعبير المذكور يظهر بوضوح ان الملك يحتكم للدستور في توجيهاته، ويذكر لفظ مرتكزاته، بما يوحي بأن الملك في هندسته الجديدة للمشهد الأردني يخرج من الإطار السياسي للبلاد كل من لم يشكل في الدستور أصلاً وأساساً.
في هذا السياق، ليس من التجني أو الخروج عن النصّ القول ان البيانات والمطالبات الشخصية بالإضافة للتحركات الغامضة، التي صدرت خلال الفترة الماضية ستكون تحت المجهر في مرحلة الجنرال حسني، بالإضافة الى أن عمان، قد تشهد عمليات ضبط تحت شعار “الحفاظ على الدستور”.
مدير المخابرات الجديد والذي من الواضح انه مدركٌ بدقة لشكل المرحلة المقبلة، أجاب في كتاب بدا مؤكدا على التزام الدائرة بضمان الحريات مقابل الحزم مع التعامل مع المرتكزات الدستورية، وهو الأمر الذي يتطلب مراقبة التعامل الأمني في المرحلة القادمة وملاحظة الموازنة بين الشقّين عن قرب.
المرتكزات الثانية التي تداولها الملك مع مدير المخابرات كانت “مرتكزات الدولة الحديثة” والتي وردت ضمن جملة ” كان وسيبقى الاستمساك فيها بالدستور والقانون، واحترامهما مصدرا أساسيا لاستقرار بلدنا ومنعته، مثلما ستسهم هذه المنهجية وهذا التطوير، بلا شك، في إرساء بيئة محفزة وممكنة تقودنا إلى تعزيز وتدعيم مرتكزات الدولة الحديثة الأمر الذي من شأنه بالنتيجة أن يدعم الاقتصاد الوطني ويوجد حلولاً لمعالجة البطالة وتوفير متطلبات العيش الكريم لشبابنا الغالي.” وهو الأمر الذي تفاعل معه مدير الدائرة وبجملة مشابهة تعد الملك بأن يكون همّ الدائرة “تحقيق مصلحة الوطن والمواطن، وإرساء بيئة محفزة تعزز وتدعم مرتكزات الدولة الحديثة. “
تداول مصطلح “الدولة الحديثة” يدعم بالضرورة الرجل القوي خلف كل المشاهد الحالية، وهو رئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز، الذي تحمل مفرداته تراتبية “الدستور فالقانون فالدولة الحديثة فالإنتاج”، ليظهر الملك بهذا الشكل وكأنه يعود شخصياً للعقد الاجتماعي الأصيل بينه وبين الأردنين، حيث له الإمارة والحكم، وللحكومة “ولو إيحاءً هنا” لها الولاية العامة، وهو ما طالب به الأردنيون طويلاً، بينما كان الدكتور الرزاز يهندسته بطريقته وعلى مهل.
الحديث عن الدولة الحديثة في خطاب مدير المخابرات تحديداً، يوحي بأن رئيس الحكومة الحالي الذي يؤمن “بالبطء والعمق” في تغيير معطيات وتفاصيل المشاهد المرفوضة في البلاد، يحظى بالغطاء الملكي حتى اللحظة ليتمّ مسيرته، وأن الدائرة التي كان فيها عدد من الجنرالات العاملين ضد الدكتور الرزاز تشهد مرحلة جديدة.
بهذه الصورة، ورغم أن المشهد يبدو مشرقاً، إلا ان الرزاز اليوم يقف أمام مسؤولياته وجهاً لوجه، وبالتالي أمام الشارع ليثبت أن ما يتغير في المملكة لصالحه مُستحقّ، وهذا ما سيظهر في رمضان القريب. وهنا من المفيد مراقبة تحركات الرزاز الذي يعكف على إعداد القوانين والأنظمة التي قد تشكّل فارقاً حقيقياً في المشهد.
راي اليوم