22-02-2011 01:29 PM
سرايا -
صحيح ان ما يجري في الشارع العربي هذه الايام على درجة كبيرة من الأهمية ومما لاشك فيه أنه يشكل منعطفاً تاريخياً له تداعياته ونتائجه المهمة على إعادة تشكيل ورسم السياسة على صعيد الشرق الأوسط والعالم ، ولكن الأهم أن نتوقف طويلاً عند محورين مهمين : الأول : جذور الظاهرة ودوافعها وأسبابها.ثانياً : إستيعاب ما يجري والعمل على الإستجابة الحقيقة لمطالب الشارع ليس كردة فعل آنية ريثما تهداء العاصفة بل الأصلاح الجاد والتغيير الحقيقي على كافة الصعد السياسية والاجتماعية والثقافية ، الامر الذي يحصن مؤسسات الحكم ويكسبها مناعه ناتجة عن قناعة الشارع لتمكينها من الصمود في وجه الاعصار القادم الذي سيطال الجميع .
إن أكثر ما يلفت الأنتباه هو القاسم المشترك بين الثورات الشعبية في تونس ومصر واليمن وليبيا والبحرين والاردن ، وإن كانت الاخيره بدرجة أقل, وكأن لسان حال الثورة في هذه البلدان تقول نحن جميعاً ضحايا للفساد والظلم والفقر والبطالة وغياب العدالة والاستقواء بالمراكز الحكومية والشلليه والشخصنه المطلقة والانظمة الشموليه التي تتحكم منذ عقود وبعقلية العسكرتاريا القمعيه التي لا تؤمن بحق الشعوب في الحياة الكريمة ولاحتى بحق التعبير .
اما القاسم المشترك بين الانظمة العربية وخاصة في ردود الأفعال على حركات التحرر الشعبية العفويه فهي تمر جميعها بنفس السيناريو ، فتلجأ بالبداية للقمع الدموي العنيف ثم تتراجع امام الاصرار الشعبي وامام استعداد الشعوب لتقديم المزيد من التضحيات ، فتعد بالمزيد من الاصلاحات والانفتاح والعدالة والمزيد من الحريات ، وتقوم ببعض الاجراءات الشكلية كزيادة الرواتب ، وتعديل الحكومة وأحياناً تغييرها والدعوة للحوار والحملات الاعلامية المكثفة من خلال وسائلها المهجنة وفي الوقت ذاته تنشط أجهزتها السرية في ابتكار الوسائل والطرق المختلفة لتشوية صورة الثوار واتهامهم بالاجندات الخارجية وتصويرهم على انهم مجموعة من الخارجين عن القانون وتقوم بالتشويش على المحطات المحايدة والموضوعية كما شهدنا من استهداف لمحطة الجزيرة في تونس ومصر وليبيا ، ولكن ما تلبث أن تدخل المواجهة مرحلتها التالية وهي عدم قناعات الشعوب بانظمتها وعدم الوثوق بكل وعودها وهذا الاستنتاج الشعبي مبرر الى حدٍ كبير ، فلقد نما الحس الشعبي بحكم خبراته التراكمية الطويلة وأصبح قادراً على فهم الامور على عكس عقلية الأنظمة التي تعتقد ان عقارب الساعة توقفت عند لحظة اعتلائهم عروش الحكم قبل عشرات السنين . وهنا تبدأ مؤسسات الحكم وخاصة الامنية منها بالدفاع المستميت عن شخوصها بابتداع وسائل قمعية جديدة فتلجئ للبلطجية وقطاع الطرق والمرتزقة والخارجين على القانون والمساجين على أمل خلق حالة من الإرباك والفوضى وانفلات حبل الامن الامر الذي يؤدي الى إقناع الشارع بضرورة وجودهم وبقائهم في كراسي السلطة ، لكن الوعي الشعبي والاصرار على التضحية واستمرار المد واتساعه يجبر سلطات الحكم على الدخول في المرحلة الاخيرة وهي الاستعداد للرحيل وترتيب كل ما يلزم لنقل اموالهم وكنوزهم ومدخراتهم وتأمينها بشكل أو باخر بعيداً عن المراقبة والملاحقة .
إن أغرب ما في الأمر أن هذه الأنظمة جميعها ودون استثناء لم تكلف نفسها حتى الساعة بمحاولة فهم ما يجري ودوافعه وأسبابه بل ترهق نفسها في التفكير بكيفية معالجة الآثار والنتائج وما هي انجح السبل لقمع وسحق الانتفاضة في بداياتها وقبل أن تأخذ وضع كرة الثلج ، ولكن الفرق فيما تفكر فيه هذه الانظمة وما يجري على أرض الواقع أمر مختلف تماماً بمقدار 180 درجة . فحين تستنجد بمؤسساتها الامنية التي كلفتها المليارات اعداداً وتدريباً وتسليحاً نجدها ذابت واختفت تماما ًوأحياناً تصبح عبئاً على الانظمة نفسها وليس أدل على ذلك من تونس ومصر وليبيا والبحرين ، والمحزن ان هذه المؤسسات التي تعول عليها الانظمة تصبح غير قادرة على حماية البلاد ومؤسساتها ومكتسباتها بل تصبح أعجز من أن تحمي نفسها ، فتلجئ الأنظمة للجيش وهنا تكمن المفارقة ، فهذه الأنظمة نسيت أو تناست أن معظمها وصل الى سدة الحكم على خلفية الثورات الشعبية التي حررت الوطن العربي من الاستعمار ، فتشربت جيوشها عقيدة الدفاع عن الوطن وليس الدفاع عن الأنظمة والاشخاص وتحجم هذه الجيوش عن قمع الشعوب لا بل تنحاز اليها في كثير من ألاحيان عندها تبدأ الطائرات الخاصة المحملة بالكنوز والاموال تبدأ البحث عن ملاذ آمن في عواصم العالم .
ان الدروس والعبر التي يجب ان تستخلصها هذه الانظمة أن المكتسبات التي لا يحميها الشعب لا يستطيع أي نظام مهما أوتي من قوة أن يحميها ولقد علمتنا الاحداث الاخيرة ومن قبلها التاريخ أن اللجوء للعسكرتاريا و البصطاريا والدوائر الامنية لن يحمي الانظمة والعروش بل ان العسكر في معظم دول العالم الثالث هم مصدر الخطر على الأنظمة وليس الشعب والامثلة كثيرة وآخرها ما شهدته تركيا في الايام الاخيره وكيف تأمر العسكر على الشرعيه. أن الشعوب هي الاقدر على حماية الأنظمة وهي الأقدر على الاطاحة بها, لكنها تحتاج الى إما :- عدالة وحرية وديمقراطية تدافع عنها :- أو شعور بالقهر والاذلال والعبودية فتطيح بها ، بالامس القريب كان العراق يهدم حضارته ومنجازته بأيدي أبناءه قبل قوات الاحتلال لانه لم يشعر ان هناك مكتسبات يدافع عنها بينما كان المواطن في فنزويلا يتظاهر ويعتصم مطالباً بعودة شافيز الذي اطاح به العسكر .
المفارقة كبيرة والمهم أن نتعلم فالجيش والقيادة العامة والمناورات العسكرية ليست السبيل للأصلاح بل بالعكس فإن الغمز او التلويح بها في هذه الظروف من شأنه ان يزيد الاحتقان والتوتر, فالحل في الشارع وفي الشعب وفي الشباب ، وحتى الاحزاب السياسية والنقابات ، في عالمنا العربي لم ترقى بعد الى مستوى كافي من النضج, ولم تتأهل لقيادة الثورات, بل لا تغدو أكثر من عملية (ركمجه) تأتي أخيرا بعد ظهور علامات الوهن والضعف على ألانظمة المترنحه لكي تركب الموجه بكل براغماتيه وانتهازيه والشواهد في تونس ومصر وليبيا واليمن واضحة وعلينا أن نستخلص العبر فالمشكلة بالشارع والحل بالشارع وممثلوا الشعب هم في الجامعات والشوارع والمصانع والحقول والبيوت وليسوا في المجالس النيابيه المزورة ولا في الواجهات الحزبية ولا في ميدان المنوارات العسكرية . نحن الان بأمس الحاجة لأعادة صياغة مفهوم جديد للحياة الكريمة والتي بها فقط يتعزز الأنتماء والولاء والحوار الجاد الهادف الموضوعي العميق الذي يضع مصالح الشعوب فوق كل إعتبار بعيداً عن المكتسبات الشخصية الانيه وبدراسة اسباب الظاهرة وجذورها ودوافعها وان يتم العلاج على هذه الاسس وليس بعد أن يقع "الفأس بالرأس " لا سمح الله ، وعندها لن ينفع عض النواجد .
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
22-02-2011 01:29 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |