حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,28 مارس, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 7309

وسط البلد "الذاكرة والتاريخ" .. يناديكم

وسط البلد "الذاكرة والتاريخ" .. يناديكم

وسط البلد "الذاكرة والتاريخ" ..  يناديكم

09-03-2019 09:32 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : المهندس عادل بصبوص

أحدث غرق وسط البلد مؤخراً بمياه الأمطار الغزيرة التي غمرت شوارعه ومحلاته التجارية ارتدادات عنيفة، وأعاد هذه البقعة الصغيرة من العاصمة الى الاضواء بعض الوقت، هذه البقعة التي كانت ذات يوم هي العاصمة كلها، شهدت كل الاحداث التاريخية الهامة للوطن، في طرفها الشرقي وبالقرب من المدرج الروماني كان يقبع فندق فيلادلفيا الذي كانت تستضيف الحكومة فيه ضيوفها من الملوك والرؤساء وكبار الزوار، وفي طرفها الغربي كان مقر النادي الأهلي (موقع مركز الحسين الثقافي حاليا)، وما بين الفندق والنادي كانت تمتد منطقة وسط البلد يتخللها مجرى السيل، الذي أقيمت حوله الحوانيت والمحال التجارية على مقربة من الحارات والاحياء السكنية كالمهاجرين والشابسوغ والقلعة وهي الأحياء التي خلدها زياد قاسم في روايته الرائعة "أبناء القلعة".
كبرت البلدة التي كانت اقرب الى التجمع الريفي منها إلى المدينة، وبدأ السكان يهجرون وسط البلد الى أحياء ومناطق جديدة بدأت تنشأ تدريجياً، وأخذت المحال والمصالح التجارية تتمدد على حساب ما كان منازل وبيوت مجاورة، حتى غدا وسط البلد كتلة متصلة من المحال التجارية وبدأت تتشكل أسواق فرعية للمهن والمصالح المتشابهة كسوق اليمنية وسوق الخبز وسوق السكر وسوق البخارية وغيرها، وأصبح وسط البلد المركز التجاري الرئيسي في المملكة وانتشرت فيه المطاعم والمقاهي ودور السينما والمكتبات وغدا قبلة للمتسوقين والزائرين من مختلف المناطق، لا بل محطة إجبارية لا بد للجميع من التوقف فيها فالعروس المقبلة على حياة جديدة يجب أن تمر بسوق الصاغة للذهب، وسوق منكو أو البشارات لبدلة العرس، والعريس أو خريج الجامعة ليس له الا شارع الخيام أو شارع السلط للحصول على بدلة تليق بالمناسبة، أما الراغبين بقضاء وقت للتسلية والترفيه فيقصدون سينما الخيام الكبرى أو سينما الحسين الفخمة وغيرهما من دور السينما التي كانت أبرز معالم المدينة في ذلك الوقت حتى أن الشوارع التي تقع فيها هذه الدور كانت تعرف بأسمائها ...
كبر الاردن بمرور السنوات وكبرت عمان .... حاول وسط البلد أن يكبر أيضا .... إلا أن التلال السبعة المحيطة به إحاطة السوار بالمعصم حالت دون ذلك، فكان أن نشأت مراكز تجارية كبرى في أطراف المدينة وضواحيها الجديدة، وأصبحت قبلة المتسوقين والباحثين عن كل جديد، خسر وسط البلد الكثير من مرتاديه لصالح المراكز الجديدة، وحدهم من تربطهم بالمكان وشائج التاريخ وعبق الذكريات ظلوا على الوفاء لقاع المدينة ومعالمها، إضافة إلى العابرين بالمكان صباح مساء قاصدين أعمالهم أو عائدين منها، ومن أدمنوا الشراء والتبضع من محلات بعينها، أو من يطلبون بضائع لا يجدونها في أماكن أخرى..... وسط البلد أمسى ينام باكرا حتى في أيام الصيف الطويلة..... ومراكز المدينة الأخرى تسهر الى ما بعد منتصف الليل .....
غرق وسط البلد وكل ما حوته الأرصفة والمحلات بفعل طوفان مفاجئ، وحدها ذاكرة المكان وما تحفظه من تاريخ عريق لم تغرق وبقيت طافية على السطح، تستصرخ الجميع أن هلموا إلى قاع المدينة .... ليس فقط للتضامن مع التجار وتعويضهم.... وإنما لوصل كثيراً مما انقطع .... فكثير من أبناء المدينة تمر عليهم السنة والسنتين وربما أكثر من ذلك لا يدخل وسط البلد ولا حتى ماراً بسيارته، وغالبية النشئ الجديد لا يعرف عن المكان شيئاً وربما لم تطأ قدماه المنطقة برمتها.... يجب العمل على تسويق وسط البلد مجددا ليس للسياح الأجانب فقط وإنما لأبنائنا وبناتنا أيضا، وليس كمركز تجاري فحسب وإنما كرمز ثقافي وإرث وطني وكتاب تاريخ .... وهذا لا يتأتى إلا بإجتراح تغييرات تطور المنطقة ولا تمس شخصيتها وتاريخها، الأمر ليس سهلا على الاطلاق فالمنطقة ضيقة جدا ومكتظة أيضا، قد يتطلب الامر إضافة الى حل المشاكل الحضرية المعروفة، إعادة رسم شخصية المدينة من وحي تاريخها وإرثها القديم الذي يرويه المدرج الروماني وسبيل الحوريات، وتاريخها المعاصر الذي صنعه مزيج غني ونادر من المقيمين في المنطقة والوافدين إليها، وهذا يحتاج الى جهد كبير عماده ليس خبرة ومهارة المهندسين والمعماريين فقط وإنما خيال الشعراء ..... وإبداع الفنانين أيضا .....


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 7309
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم