حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,4 مايو, 2024 م
طباعة
  • المشاهدات: 10664

الشباب كفاعل رئيس في الاحتجاجات الأردنية

الشباب كفاعل رئيس في الاحتجاجات الأردنية

الشباب كفاعل رئيس في الاحتجاجات الأردنية

10-06-2018 09:53 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : سحر ذياب

شكلت الاحتجاجات الأردنية التي انطلقت قبل أيام صدمة غير متوقعة ليس للحكومة الأردنية ومتعلقاتها من الأجهزة والمؤسسات، بل لذات المؤسسات التي أعلنت ودعت إلى تنفيذ الإضرابات والاحتجاجات وأعني بها (النقابات المهنية)، إذ تولدت الأحداث في البدايات بشكل طبيعي، لكنها سرعان ما تطورت بعيدا عن رغبة وإرادة (النقابات)، وقد تميزت الاحتجاجات في الأردن بزخم كبير شكل الشباب مادته الأساسية،

وشعارات واعية تولدت آنيا من رحم الفضاء الاحتجاجي، وخطابٍ سياسي متقدم صيغت مضامينه عبر وسائل التواصل الاجتماعي في سياق تفاعلي حر وضمن رؤية شبابية نحو التنمية والمستقبل.

إن الثيمة المركزية للاحتجاجات الأردنية هي؛ توسيع نطاق المشاركة السياسية من خلال إعادة النظر في النهج المتبع لتشكيل الحكومات والتي تميزت بحالة من التدوير المزمن بين نخب تقليدية، وإصلاح الاقتصاد الوطني، وتحسين مستوى المعيشة، هذا الخطاب لم يكن متوقعا، إذ بدأت الأحداث عندما رفضت النقابات المهنية مشروع قانون ضريبة الدخل الذي يطال الفئات الفقيرة والثرية على حد سواء، والنقابات تمثل شرائح واسعة من المجتمع الأردني وهي متضررة بالدرجة الأولى من القرار إلى جانب الفئات الأخرى، والتقت في ردة الفعل الاحتجاجية مصالح فئات وشرائح واسعة من المجتمع الأردني ما منح الفضاء الاحتجاجي زخما كبيرا عاموديا وأفقيا.

غير أن النقابات وهي التي تبنت حالة الإضراب والاحتجاج؛ لم تدرك مآلات الاحتجاج وتحولاته ولم تتوقع أن يتشكل خطاب جديد خارج إطار حظيرتها، هذا حصل في لحظات التحول التي شكلها الشباب الأردني المحتج في الميادين، والتي صاغوا من خلالها وفي فضائهم الاحتجاجي خطابا خاصا أدرجوا من خلاله مضامين جديدة تطالب بمزيد من الحريات والمشاركة المدنية والسياسية، كانت التحولات عفوية وتلقائية لكنها واعية ومنظمة جدا، نظرا للوعي الذي تمتع بها الشباب الأردني، والذي يؤشر إلى حجم الإفادة من التجارب الاحتجاجية السابقة سواء تلك التي حصلت في الأردن، أو في دول عربية أخرى إبان الربيع العربي، حيث حرص الشباب المحتجون على استمرار الحالة السلمية في الاحتجاج وبطرق حضارية، كما أسهم في هذا الأمر وعززه الإجراءات الأمنية التي جاءت في سياق تفهم صاحب القرار للواقع وأزماته الداخلية، فقوات الدرك الأردني أعلنت صراحة أنها ستحمي المحتجين وطالبتهم بالحفاظ على سلمية الاحتجاجات.

حاولت النقابات المهنية في غمرة الحدث التنصل من تبعاته، نظرا لأن حجم الاحتجاج والإقبال عليه سواء من العاصمة عمان أو من مدن الأطراف لم يكن متوقعا، خشيت النقابات أن تتحمل عبئا جديدا خارج نطاق قدرتها، فآثرت الانسحاب متوقعة أن يتحلل الاحتجاج بمجرد انفصال الرأس عن الجسد، لكن المفاجئة جاءت بخلاف ذلك، إذ تمكنت جموع المحتجين من إعادة تنظيم نفسها تلقائيا في إشارة بالغة إلى أن النقابات والمؤسسات لن تؤثر في حال انسحابها على مجريات الأحداث، واستعان الشباب المحتجون بالعديد من الوسائل التكنولوجية لضبط إيقاع الاحتجاج وتأطيره وذلك من خلال نقاش وحوار معمق على وسائل التواصل الاجتماعي؛ تم تحديد الخطوط العريضة من المطالب والتي تمثلت بإعادة النظر في نهج تشكيل الحكومات وتصحيح المسار الديمقراطي، وإلغاء مشروع قانون ضريبة الدخل وإعادة النظر بآليات تسعير المحروقات.


اعتاد الأردنيون فيما مضى على هيكلية معينة في تنظيم الاحتجاجات إذ تكون الأحزاب والنقابات والفعاليات في قمة هرم الاحتجاج، كما تقود النخب السياسية التقليدية المعارضة هذه الفعاليات، ويتم إجراء تسويات مع الحكومة من قبل تلك القيادات ويتم تحقيق مكاسب سياسية أو ما شابه، كانت الجماهير تستبعد لأنها لا تتمكن بدون القيادات الحزبية والنقابية من خلق حالة احتجاج منظم ومؤطر وقيد السيطرة، هذا الأمر تغير جذريا في الاحتجاجات الأخيرة، إذ تمكن المحتجون وهم من فئات الشباب والمرأة من تحقيق نقلة نوعية تمثلت؛ بإدارة المشهد والسيطرة على الفضاء الاحتجاجي وإنتاج خطاب حداثي، من خلال مستوى عالٍ من الوعي و التفاعلية داخل الفضاء الاحتجاجي وبمساعدة الوسائل التقنية.


لعبت الميديا الجديدة دورا فاعلا في رفع مستوى التعبئة والتحشيد والتفاعلية بحيث غدت آلية البث المباشر على صفحات الفيسبوك بمثابة علامات لضبط إيقاع الاحتجاج وتبيان تفاصيله اللحظية والراهنة، والبث المباشر (اللايف) كتقنية عملت على تعزيز التواصل وكشف الأخطاء والمخاطر التي قد تواجه المحتجين وسبل تجاوزها، وهذه التقنية ومن خلال خاصية التزامن تجعل الفاعلين في قلب الحدث وحيويته، استخدم البث المباشر في حالتين الحالة الأولى هي التهيئة للاحتجاج وذلك ساعات النهار حيث يتم تبيان الخطة اليومية ومناقشة الشعارات ومضامين الخطاب وفق المتغيرات وردّات فعل الحكومة، والحالة الثانية هي البث المباشر لحظة بدء الاحتجاج، تلك الحالات أدت إلى تنسيق الاحتجاج وتمتينه الى درجة كبيرة ضمن مستوى عالٍ من التفاعل والتواصل والدقة.


لم تغب المرأة الأردنية عن الحدث فقد جاء حضورها بنسب جيدة، وشاركت إلى جانب الرجل في صنع الحدث، وأدلت بدلوها في الخطاب السياسي والمطالب الاقتصادية، والفضاء الاحتجاجي الأردني في العادة ما يتم احتكاره على فئة الذكور دون النساء، في الحالة الراهنة شاركت الفئات الوسطى ذكورا واناثا في الحالة الاحتجاجية، فالعاصمة عمان يوجد فيها فئات وسطى حرة تضع المرأة فيها قدما راسخة وتعزز من فاعلية النشاط السياسي.

إن الاحتجاجات الأخيرة التي حصلت في الأردن لها دلالاتها السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وتشير تلك الاحتجاجات إلى تطور كبير في مستوى الوعي لدى الفئات الشبابية بالدرجة الأولى، والفئات الاجتماعية بالدرجة الثانية، وهذا الوعي ناتج عن المتغيرات التي طالت المجتمع الأردني خصوصا بعد مرحلة الربيع العربي، والتي تضمنت سجالات سياسية وثقافية عالية المستوى في الفضاءات العمومية لدى فئات الشباب خصوصا تناولت المقولات العامة في السياسة والحداثة والعولمة والثقافة، كما تؤشر تلك الأحداث إلى رغبة ملحة لدى الشباب في الحصول على أدوار ومواقع اجتماعية وثقافية وسياسية بعيدا عن الحالة التقليدية التي ميزت النخب السياسية الأردنية طيلة عقود، كما تؤشر إلى تغييرات عميقة في بنية المجتمع عاموديا وأفقيا بفعل العولمة والظروف الإقليمية والنهج الاقتصادي الذي أحدث تغييرات جذرية تناقضت مع واقع ومعطيات المجتمع الأردني منذ عقدين ونصف.

بقلم : سحر ذياب

كاتبة وناشطة اردنية


لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "فيسبوك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "تيك توك" : إضغط هنا

لمتابعة وكالة سرايا الإخبارية على "يوتيوب" : إضغط هنا






طباعة
  • المشاهدات: 10664
لا يمكنك التصويت او مشاهدة النتائج

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم