حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,28 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 4007

وليد معابرة يكتب: لو كان طويل العمر يَدرِي!

وليد معابرة يكتب: لو كان طويل العمر يَدرِي!

28-12-2025 12:54 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : ‏الكاتب الساخر وليد معابرة
كلَّما تعاقبت الأيامُ ومضت السنون، وكلَّما بَدَا الشيبُ يغزو مفارق الرأس؛ أدركُ تمام الإدراكِ أنَّ حياة البشر لا تقاس بمرور السنين؛ ولكنَّها تقاس بمدى ممارسة الأحاسيس التي تنمو في نفوس البشر والمشاعر الإنسانية المغروسة منذ الأزل، فحركة الشمس والقمر، وتعاقب الليل والنهار، ومرور الأيام والسنين لا تشكِّلُ أيَّة دوافع لتوليد الإحساس، إلا إذا كان ذلك الإحساس نابعاً من ثقافة تربوية أزلية؛ تمأسست من خلال الأسر والمجتمعات والحكومات؛ لغاية إنشاء وتطوير مراكز عقلية لدى البشر وتوسيع رقعة التفكير الناضج، وليس من أجل تخصيب الجهل والفساد الذي أدَّى إلى الوصول لحالات الانعطاف والانحناء الفكري العربي الراهن.

لا شكَّ أنَّ عبارة "طويل العمر" المُرَقَّقَة التي استخدمها الشرقيون في التقرب إلى أصحاب الجاه؛ تُعَدُّ –بمفهومها ومقاصدها- عالة على اللغة العربية الأصيلة وأبنائها، خاصة بعد التعرف إليها وترجمتها ضمن السياقات الخاصة بالمجتمعات العربية على وجه الخصوص، فهي جملة تتألَّف من كلمتين تطلقان على كبيرِ القوم، تفيد التفخيم والتبجيل، تحملُ بين طياتها كلَّ المعاني المزخرفة بأُطرِ التنميق والتملُّق؛ وإنَّ تَينِكَ الكلمتين أصبحتا ظاهرة تشير إلى أنَّ هناك ثقافة تاريخية تحمل بين أطيافها مئات الهفوات والمنعطفات الخطرة، فضلاً عن الاضطرابات العقلية والقصور في التفكير والاتكال على مسمى "طويل العمر" واعتباره أنَّه المنقذ الوحيد والمصلح الرشيد، المعني بتعديل المسار الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي، واعتبار أنَّ ذلك المسمى مجموعة من الحلول التي تبحث عن مشكلات العصر لإصلاحها وتصويب مسارها.
ضمن حقبة تاريخية معاصرة؛ ذُكِرَ أنَّ واحداً من معلمي مادة التاريخ المتميزين قد أُرسِلَ -ضمن بعثة تدريسية- إلى إحدى المدارس التابعة لبعض القبائل العربية؛ التي تشكَّلت وبُنِيَت ثقافات مجتمعاتها حول المفهوم المنوَّه عنه بـ "طويل العمر"، حيث كان ذلك المعلِّم الفذُّ النشط حريصاً على تلقين تلاميذه الدروس التاريخية المتجسدة في قدسية العمل وتقديس الأرض، فقد كان يَنهَمُ من مخزونه النظري والمعرفي قاصداً تنشِئة تلاميذه وغرس المفاهيم الصحيحة والتقاليد العريقة التي تسهم في بناءِ شخصيةٍ قياديةٍ جديدة؛ تكون قادرة على إيجاد الثغرات ودراستها دراسة موضوعية تكشف المفارقات الكبيرة بين الإفراط والتفريط، ولم يكن ذلك المعلِّم على دراية بأنَّ تلاميذه من الفئات التي وصفت السكَّر بمرارة الطعم؛ لعدم تذوقهم حلاوته، كما قال "هنري كريمونا" في كتابه "محنة الإيمان".

ظل المعلِّم منهمكاً في التعليم، مصراً على استلهام واستخلاص تلك الشخصيات الدفينة في صدور تلاميذه، إلى أن جاء موعد تلك المحاضرة الحماسية التي كانت تتكلَّم عن تاريخ القُدس، وعن الخلل الوظيفي لدى الحكام، وعن انسحاب الأمة من تاريخها واستقالتها من مهامها في الحفاظ على ذلك المقدس العظيم، مشيراً إلى التفريط العربي والزهد القائم، وإلى الصهاينة المحتلين، وإلى الأنسنة المُعتدى عليها في بقاع الأرض العربية المروية بدماء شهدائها، مستخدماً عباراته الاستثنائية لتأليب تلاميذه على استئصال الخوف والقلق وغرس الثوابت والقيم في نفوسهم، خاصة عندما رأى أنَّ حالةً من الاندهاش تعتري بعضهم، وحالة التَّوَعُّد بدأت ترتاد وجوههم، ونظرات الاستغراب التي كانت تصدرها عيونهم، فضلاً عن تلك الأيادي التي كانت ترتفع طالبة الحديث...، وظل الأمر هكذا حتى تعالت الأصوات في تلك المحاضرة وبدأ الشجب والاستنكار، فظنَّ المعلِّمُ أنَّ وجهه قد أفلح في إكمال مسيرته وتأدية واجبه ودوره، فطلب من أحد التلاميذ المستنكرين الوقوف، سانحاً له بفرصة للتحدث...، فوقف ذلك التلميذ سائلاً: "هو طويل العمر يَدرِي"؟...، فأراد المعلِّم الاستفهام والإجابة؛ ولكنَّ التلميذَ استأنفَ حديثه قائلاً: "والله لو كان طويل العمر يَدرِي؛ لَخلَّصَنَا من اليهود وشرورهم"!... عندها خيَّمَ الصمتُ على ذلك المعلِّم، واعتلى مُحَيَّاه المَقَتَ والقهر، فقرر أن يستبدل حصص التاريخ بالرياضة والترفيه، بعد أن أعلنَ انسحابه من التاريخ واستقالته من مهامه...، ومن ذلك الوقت؛ استُبدِلَت الأرض بكرة مطاطية، وبدأت الحروب القبلية؛ لتزداد الكسور العشرية، حتى فَتِئَ خليجنا بأكمله تحميه يدٌ أمريكية.


حقيقة يَجِب أَن يُدرِكَهَا العَرَب: إِنَّ مُشكِلَة القُدسِ وَعَودَتها إِلى حُكْمِ العَرَبِ والمُسلِمِين، وإِنَّ حَلَّ المُشكِلَاتِ الاقتِصَادِيَّةِ القائِمَةِ في وَقتِنَا الرَّاهِن، كَمَا إِنَّ اغتِيَالَ الشخصِيَّاتِ الأَدَبيَّة والسيَاسِيَّة الطاهِرَة، سَتَجِدُ جَمِيعُهَا الحُلُولَ الصارِمَة، وسَتَكُونُ نَتَائِجُهَا مَحسُومَةً لِصَالحِنَا، فَضْلاً عَنْ أَنَّ مُشكِلَة الشرقِ الأَوْسَطِ الكَبِير سَتَجِدُ حَلَّاً جَذْرِيَّاً، وَسَيَنتَهِي زَمَنُ الفَسَادِ والمُفْسِدِين، وستعود أَموال الشعوب إلى أصحابها؛ بس: "لَوْ كَان طَوِيلُ الْعُمُر يَدْرِي"!


الكاتب الساخر: وليد معابرة – جامعة آل البيت








طباعة
  • المشاهدات: 4007
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
28-12-2025 12:54 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنجح إدارة ترامب وحكومة الشرع في القضاء على "داعش" بسوريا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم