حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,25 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3899

الدكتور علي الصلاحين يكتب: النضج الأخلاقي: حين يتجاوز الإنسان عمره وعلمه ليبلغ وعي الضمير"

الدكتور علي الصلاحين يكتب: النضج الأخلاقي: حين يتجاوز الإنسان عمره وعلمه ليبلغ وعي الضمير"

الدكتور علي الصلاحين يكتب: النضج الأخلاقي: حين يتجاوز الإنسان عمره وعلمه ليبلغ وعي الضمير"

25-12-2025 09:15 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور علي الصلاحين
السلوك الناضج ليس رقمًا يُضاف إلى العمر، ولا شهادة تُعلَّق على الجدار، بل حالة وعي تتكوّن في عمق الإنسان حين ينجح في تهذيب دوافعه وضبط غرائزه وربط أفعاله بمعنى أخلاقي يتجاوز المصلحة الآنية. فكم من إنسان تقدّم به السن وبقي أسير نزواته، وكم من متعلم بلغ أعلى المراتب العلمية لكنه عجز عن قول الصدق أو التزام العدل أو احترام كرامة الآخرين. هنا يتضح أن النضج لا يُقاس بالسن ولا بالمعلومات، بل بقدرة الإنسان على محاسبة نفسه قبل أن يحاسبه غيره.
من منظور علم النفس، يرتبط النضج الأخلاقي بتطوّر مناطق في الدماغ مسؤولة عن اتخاذ القرار وضبط الانفعال، لكنه لا يكتمل تلقائيًا مع التقدم في العمر. فالعلم يؤكد أن الخبرة وحدها لا تصنع إنسانًا ناضجًا ما لم تُرافقها مراجعة ذاتية وتعلّم من الخطأ. الإنسان قد يكرر السلوك الخاطئ عشرات السنين، فيتحول الخطأ إلى عادة، والعادة إلى طبع، فيظن أن الزمن كفيل بتقويمه، بينما هو في الحقيقة يرسّخ انحرافه. لذلك فالنضج العلمي لا يعني كثرة المعرفة، بل حسن توظيفها في خدمة القيم الإنسانية.
أما من منظور ديني، فالنضج الأخلاقي هو ثمرة تزكية النفس. الدين لا يربط الكرامة بالعمر ولا بالمكانة، بل بالفعل والنية، ويجعل الصدق، والأمانة، وكفّ الأذى، وضبط اللسان، معايير حقيقية لميزان الإنسان. في التراث الديني نجد تأكيدًا واضحًا على أن العلم بلا أخلاق قد يتحول إلى أداة فساد، وأن كثرة العبادة بلا سلوك قويم قد تفقد معناها. فالنضج هنا هو أن يخاف الإنسان من ظلم غيره أكثر مما يخاف من انكشاف أمره، وأن يبتعد عن الكذب لا لأنه يُحاسَب عليه فقط، بل لأنه يراه تشويهًا لذاته قبل أن يكون إساءة للآخرين.
السلوك الناضج هو ذلك الحاجز الداخلي الذي يمنع الإنسان من الخبث والمكر حتى حين تتاح له الفرصة، وهو القدرة على اختيار الطريق الأصعب أخلاقيًا عندما يكون الطريق الأسهل مليئًا بالمكاسب السريعة. الناضج لا يحتاج إلى مراقبة دائمة، لأن ضميره حاضر، ولا يبرر أخطاءه بعمره أو شهادته أو مكانته الاجتماعية، بل يعترف ويصحح. وهو لا يُفرّق في نضجه بين كونه ذكرًا أو أنثى، لأن القيم لا جنس لها، والصدق لا يرتبط بهوية، والعدل لا يعرف تمييزًا.
في النهاية، الإنسان الناضج هو من أدرك أن القوة الحقيقية ليست في السيطرة على الآخرين، بل في السيطرة على النفس، وأن الذكاء لا يكتمل دون أخلاق، وأن الإيمان والعلم حين يلتقيان في سلوك الإنسان يصنعان شخصية راقية تُصلح ولا تُفسد، تبني ولا تهدم، وتترك أثرًا طيبًا حتى في أبسط المواقف. هذا النضج لا يُمنَح، بل يُكتسَب، ولا يُعلَن، بل يُمارَس، وهو مسؤولية فردية لا يعفي منها عمر ولا شهادة ولا لقب.







وسوم: #علي




طباعة
  • المشاهدات: 3899
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
25-12-2025 09:15 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنجح إدارة ترامب وحكومة الشرع في القضاء على "داعش" بسوريا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم