21-12-2025 08:14 PM
بقلم : العميد المتقاعد عبدالرحمن نصرالله
في الآونة الاخيرة، ومن خلال متابعتي لمواقع التواصل الاجتماعي، رغم قلة هذه المتابعة، إلا أنني لاحظت وجود العديد من الأشخاص يتحدثون بموضوعات تتعلق بالمخدرات ومن أهمها موضوع السماح بتعاطي المخدرات وتقنينها، أسوةً ببعض الدول المتقدمة التي قامت بهذه الخطوة، الأمر الذي أثار حفيظتي ودفعني للكتابة بهذه الجزئية من الموضوع الأكبر، ألا وهو موضوع المخدرات.
ولدى الاطلاع على جُل التعليقات حول هذه الجزئية، استرعى انتباهي وجود الكثير من الجدل والنقاش حول الموضوع، وأن هناك فئة مؤيدة لهذه الاقتراحات، جنباً إلى جنب مع تلك الفئة المعارضة. ووجدت أن من واجبي الديني و الاخلاقي و الوطني والمهني أن أقوم بالرّد على هذه الدعوات لتقنين المخدرات بطريقة علمية واضحة ومبسطة، لكي يطّلع المواطن والمتابع لهذا الشأن على الأسباب التي دفعت تلك الدول بالسماح بتعاطي بعض أنواع المخدرات، و هل ينطبق واقع الحال في تلك الدول مع واقعنا في المملكة الأردنية الهاشمية، مع فسح المجال للقارىء والمتابع العزيز أن يصل إلى قناعة وجدانية بشأن ذلك وأن يقدّر مدى إيجابيتها من سلبيتها.
بدايةً أرى أنه ينبغي علينا الأخذ بعين الاعتبار واقع مشكلة المخدرات في مملكتنا الحبيبة مقارنةً بواقع مشكلة المخدرات في تلك الدول، أو بالأحرى "ظاهرة" تعاطي المخدرات في تلك الدول، حيث أن الفارق كبيرٌ بين المشكلة و الظاهرة. فنحن في المملكة الأردنية الهاشمية ما زلنا في مرحلة المشكلة و لم ننتقل لمرحلة الظاهرة ولله الحمد.
ثم إنه يتوجب علينا أن نسلّط الضوء على واقع المخدرات وأن نسمّي الأشياء بمسمياتها وأن نوضح المفاهيم المرتبطة بها عملياً. ونبدأ على وجه الخصوص بقضية السماح أو الإباحة بالتعاطي. فبمجرّد تأييد وتبنّي فكرة السماح بتعاطي المخدرات بشكلٍ عامٍ، فإن هذا قد يشي بعدم الإلمام الكافي أو عدم سبر غور المخدرات، ومعرفة ماهيتها وما هي طبيعتها! فالمواد المخدرة كثيرة ومتباينة ومختلفة ومتعددة الأصناف والأنواع والأشكال، إذ يوجد مئات الأنواع منها، وتختلف بأنواعها وتأثيراتها وأضرارها ونسبة الإدمان عليها. فواقع الحال في تلك الدول أنها سمحت أو أباحت تعاطي
واستخدام مادة القنب الهندي أو استخدام مشتقاتها أو بعض المواد التي يتم استخلاصها منها لأسباب إما طبية أو ترفيهية).
لنتحدث الآن عن الأسباب الرئيسية التي دفعت تلك الدول للقيام بهذه الخطوة:
1- تقليل المخاطر: حيث تواجه تلك الدول مشكلةً كبيرةً في أعداد متعاطي المواد المخدرة بمختلف أنواعها، ومع تزايد الإقبال على تعاطي المخدرات الكيميائية مثل مادة الميثا امفيتامين (الكريستال) ومادة الفنتانيل، وارتفاع أعداد الوفيات نتيجةً للجرعة الزائدة، إضافةً إلى انتشار المتعاطين في الشوارع بشكلٍ مأساوي، قررت هذه الدول تقنين استخدام مادة القنب الهندي (المارجوانا) حصراً، كبديلٍ للمواد الأشد خطورة، ولكن للأسف ما زال تعاطي وإدمان تلك المواد الخطرة شائعاً وما زالت الشوارع تعجّ بالمدمنين والمشردين. كما أنه وللأسف أيضاً حصل إقبال من بعض الأشخاص الذين لم يكونوا متعاطين أصلاً قبل تبنّي هذه القرارات والسياسات الجديدة، حيث أن الواقع التشريعي المستحدث أوجد فئةً جديدةً من الأشخاص الذين كانوا يخشون تعاطي هذه المادة بسبب العقوبات، فأصبحوا في حلٍ من خوفهم وخشيتهم من الملاحقة القانونية إزاء ذلك.
2- تخفيف العبء عن القضاء: إذ أن السجون اكتظت بالمدمنين المحكومين مما خلق مشكلةً فعليةً، حيث كانت نسبة نزلاء السجون من المدمنين تتجاوز 70 % من عدد النزلاء الكلي في السجون. فقامت تلك الدول بتشريع استخدام القنب الهندي الأمر الذي أدى إلى خفض أعداد الأشخاص الموقوفين والمحكومين بداخل السجون على إثر قضايا تعاطي المخدرات.
3- أسبابٌ إقتصادية: تشكل سوق المخدرات اقتصاداً هائلاً، ولقد أفادت عملية التقنين هذه، تلك الدول من خلال زيادة الواردات المالية المتأتية من فرض ضرائب مرتفعة على بيع هذه المادة وترويجها، مما شكل دخلاً مادياً كبيراً لتلك الدول، إذ تم استقطاب أو سحب عائدات هذه التجارة من السوق السوداء إلى السوق المشروعة وبالتالي إلى الدولة.
و يجب التنويه هنا أن السماح بتعاطي القنب الهندي (الماريجوانا) في تلك الدول بقي يخضع لشروطٍ صارمةٍ من حيث الكمية المسموح بها وعمر الشخص الذي سيقوم بتعاطيها ناهيك عن منع قيادة السيارات والمركبات تحت تاثير هذه المادة إضافةً إلى اشتراطات بيئية وصحية أخرى.
نستنتج إذن أن لسان حال هذه الدول يقول أنها تعترف بوجود التعاطي وتحاول تقليل ضرره ما أمكن بدلاً من تركه للسوق السوداء بالكلية.
وجديرٌ بالذكر أنه لم يتم السماح باستخدام القنب الهندي في جميع ولايات أمريكا، و لا في جميع دول أوروبا، وبالتالي فإن هذا التناقض بين الولايات والتباين بين الدول يدفعنا للاستنتاج الحتمي أن الموضوع برمّته ما زال قيد الدراسة والتجريب، وأنه لم يُحسم تماماً لمصلحة الإباحة، وأن هذه المجتمعات تعي تماماً أخطار هذه المادة وعواقب الارتهان لها. يُضاف إلى كل ذلك أنه لدى مقارنة واقع الحال الموجود في تلك الدول مع واقع الحال في المملكة الأردنية الهاشمية نجد أن الأسباب التي دفعت تلك المجتمعات لسنّ هذا التشريع غير موجودة لدينا، وبالتالي فنحن في غنىً عنها، سيّما وأن المخدرات ما زالت في الأردن مشكلةً ولم تصل لمرحلة الظاهرة، فلا ترى المشردين المدمنين من متعاطي المخدرات يفترشون الازقة أو يترنّحون في الشوارع، كما أنه لا يوجد لدينا تلك الأعداد الكبيرة من المتعاطين لكي نقامر في صحتهم و مستقبلهم، ولكي نجني الضرائب على حسابهم لصالح الدولة، التي هي أساساً في غنى عن كل ذلك، لا بل العكس تماماً، فالدولة عندنا قامت مشكورة مأجورة بتوفير مراكز للعلاج في المملكة، وجعلت العلاج مجانياً للجميع، ويتم بسريةٍ تامةٍ لكي لا يكون لأحد حجة بأنه لا يوجد حلّ أمام المدمن.
وختاماً، فإذا أردنا أن نحذو حذو الدول المتقدمة وأن نتخذها أسوة، فالأولى أن ننظر إلى إنجازاتها العلمية والصناعية والتكنولوجية، وأن نسعى مع الدولة لمواكبة هذه التطورات، لا أن نطالب بالسماح بتعاطي المواد المخدرة كيفما اتفق.
وأخيراً أود الإشارة إلى أنه إذا كان استخدام القنب الهندي مسموحاً في بعض الولايات و ليس جميعها، وبعض دول أوروبا و ليس جميعها، ثم يأتينا من يطالبون بالسماح بتعاطيها لدينا، فإن زواج المثليين مسموح به في جميع الولايات الأمريكية و جميع دول أوروبا، فهل يريد ذلك النفر تبني هذا الموضوع أيضاً لدينا من باب الاقتداء والتأسّي بتلك الدول؟
بالنسبة لي ومن وجهة نظري الخاصة، فإن الخوض في هذه المواضيع دون وعيٍ شاملٍ ومتكاملٍ في موضوع المخدرات وأضرارها ونشأتها ونتائجها ينبغي أن يقتصر على أصحاب الاختصاص وأهل العلم والمعرفة فيها، وهم موجودون وكُثُر، وسنجد عندهم الإجابات الشافية والخبرة الكافية.
حمى الله الاردن في ظل حضرة صاحب الجلالة الهاشمية وحفظكم الله و أبعد عنا و عنكم أخطار هذه المواد، ودمتم في حفظ الرحمن.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
21-12-2025 08:14 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||