حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,16 ديسمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 2705

فريهان سطعان الحسن تكتب: الموت الدافىء!

فريهان سطعان الحسن تكتب: الموت الدافىء!

فريهان سطعان الحسن تكتب: الموت الدافىء!

16-12-2025 12:27 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : فريهان سطعان الحسن
العائلة التي بالكاد استطاعت تأمين حدود العيش الدنيا، بحثت عن مجرد وسيلة للدفء ضمن حدود مقدرتها، لكي ينام الصغار من غير أذى، ولتمنع البرد من أن يتسلل إلى أجسادهم الغضة.



لم يكن في الأمر أي نوع من الترف، بل محاولة بسيطة لعبور شتاء طويل سوف يكشر عن أنيابه القاسية في بعض الليالي. رب الأسرة، الذي عاد حاملا مدفأة باسم جميل، لم يكن يدري أنه جلب "فخا مميتا" سوف يطبق بأسنانه على العائلة، لكي يحول الأمان إلى فاجعة يتردد صداها على أسماع الأردنيين جميعهم.


هكذا رسمت الكارثة؛ انطفاء بطيء للأنفاس، أرواح تخرج متعانقة، خلال شروع بأحلام لصغار لم يعلموا أنهم لن يشهدوا صباحا جديدا. إنه موت صامت تكاد تحسبه نوما هادئا، فلا صراخ ولا ألم ولا دموع استغاثة. هو موت كتب بالقهر، فهناك من كان يعبث بالأرواح طمعا في المال الفاسد، ويبيع الوهم للبسطاء، الذين لا ذنب لها سوى أنهم صدقوا أسطورة المثالية التي تنفي الشر عن الإنسان.


الحوادث هذه لا تأتي كوقائع فردية معزولة؛ فكثيرا ما تطالعنا الصباحات بأخبار الاختناقات بسبب المدافئ، وبوفيات عديدة، أحيانا تأتي على عائلات بأكملها. أخبار ثقيلة توجع القلب، غالبا ما تكون بسبب إهمال المستخدمين وعدم تحوطهم. لكن موجة الاختناقات الأخيرة التي أودت بكثير من الضحايا، جاءت من ناحية الجشع، ومن الاستهتار بحياة الإنسان، والرغبة في الربح الفاحش.


هل يتحمل المواطن جزءا من المسؤولية؟ يمكن ذلك، إذا تحدثنا عن ضعف الوعي بآليات الاستخدام الآمن لوسائل التدفئة، وقلة الالتزام بالتهوية اللازمة، وهي عوامل غالبا ما تنتهي بنتائج مأساوية. ولكن ما ذنبه في وجود وسائل تدفئة غير آمنة تباع في السوق المحلية؟


إن غياب رقابة حقيقية على ما يتم طرحه في الأسواق، والترهل الذي طال مفاصل إدارات المؤسسات، والتساهل مع معايير السلامة المفترض أن يتم التعامل معها بصرامة مطلقة لكي تكون قادرة على حماية الناس، هي ما يتوجب أن تتحمل المسؤولية، فمن غير المقبول أن لا يتم الانتباه إلى هذه الأمور إلا حين تقع الكارثة، لنبدأ بعدها بالتحذيرات المتأخرة، وإعادة النصائح ذاتها. ماذا نستفيد من كل هذا بعد أن نفقد أرواحا بريئة؟


يتوجب على كل سلعة مطروحة في السوق المحلية أن تكون مرت بجميع الفحوصات اللازمة لإثبات سلامتها ومأمونية استخدامها، ولا يمكن تحميل المواطن نفسه أي مسؤولية عن اختياره لسلعة ما، حتى لو استهدف السلع ذات الأسعار المتدنية أو المقبولة، فهو خيار قد يمثل بالنسبة إليه سلعة ذات عمر تشغيلي معين، لكنه لن يضع في حسبانه أن السعر المتدني يشير إلى عدم تمتعها بالأمان والسلامة!


لا أحد يغامر بنفسه أو بأبنائه وعائلته، والمواطن غير مسؤول عن فحوصات السلامة للسلع، فلا تحملوه مسؤوليات ليست من ضمن اختصاصه، خصوصا أن هناك جهات رسمية يقع عليها واجب إجراء تلك الفحوصات، ومنح الموافقات اللازمة عليها، أو منع تداولها في السوق.


ومقابل هذا الواقع المحزن، يخرج بعض المختصين على الشاشات وعبر مختلف وسائل الإعلام، لا لشرح الحقيقة كما هي، ولا لتحمل المسؤولية، بل لإغراق المشهد بسيل من التبريرات المتناقضة؛ مرة ترمى الأسباب هنا، ومرة هناك، ومرة يهاجم الإعلام لأنه "لم يستخدم المفردات الدقيقة"، فيقال إن هذه الوسائل "يتم تجميع قطعها داخل ورش وليس تصنيعها داخل مصانع متخصصة". كل ذلك ضمن خطاب مرتبك لا يجيب عن سؤال واحد واضح: من سمح؟ ومن راقب؟ من سيدفع ثمن هذا الإهمال؟!


السلامة العامة لا تبدأ بتحذير يأتي متأخرا، ولا تنتهي ببيان، بل بمساءلة حقيقية تسبق تلك المآسي. وحتى يحدث ذلك، ستبقى الأرواح تدفع ثمن غياب الحماية والرقابة.











طباعة
  • المشاهدات: 2705
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
16-12-2025 12:27 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تجر فرنسا وبريطانيا وألمانيا أوروبا لحرب مع روسيا رغم خطة ترامب لحل النزاع بأوكرانيا؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم