14-12-2025 09:54 AM
بقلم : الصيدلي عدوان قشمر نوفل
في رحلة الإنسان الطويلة مع الحقّ، ظلّ سؤالان يرافقان الفكر الإنساني منذ أقدم العصور:
هل يكفي أن نمارس العدل؟ أم يجب أن نبني العدالة؟
ورغم أن الكلمتين تبدوان متشابهتين، إلا أنّ بينهما مسافة واسعة كالمسافة بين الماء ومصدره، وبين الضوء وحرارته. فالعدل هو فعل مباشر، لحظة تطبيق، ميزان يترجح، وقرار يُتّخذ. أما العدالة فهي الفكرة الكبرى التي تُنير طريق العدل، وهي الروح التي تمنح الحكم قيمته ومعناه.
أولا: العدل… ميزان الفعل
العدل هو ما يراه الناس ويلمسونه:
حكمٌ يُنطق، حقّ يعاد، عقوبة تطبق، أو فرصة تُمنح.
هو ميزان يعتمد على قانون واضح أو قاعدة شرعية أو مبدأ أخلاقي، ويُقاس بنتيجة محددة:
هل كان هذا القرار عادلاً أم لا؟
هل استعاد المظلوم حقّه؟
هل وُزعت الحقوق كما ينبغي؟
بهذا المعنى، العدل مرتبط بالسلوك الإنساني، وهو قدرة المجتمع على تحقيق التوازن في لحظة واقعية، سواء في القضاء، أو الادارة، أو توزيع الفرص.
ثانيًا: العدالة… روح القيم
أما العدالة فهي أفق أوسع.
هي المبدأ الأخلاقي الذي يفترض أن تقوم عليه القوانين، وتُبنى عليه الأنظمة، وتتشكل منه بنية المجتمع.
العدالة ليست حكمًا واحدًا، بل حياة كاملة تقوم على الإنصاف، وعلى أن يشعر كل فرد بأنه يُعامل بكرامة، وأنّ حقوقه محفوظة، وفرصه متاحة.
العدالة تهتم بما هو أعمق من النصوص:
تهتم بروح القانون لا بحرفيته،
وبالمساواة بين الناس، لا بمجرّد الالتزام بشكليات الحكم.
ولهذا قد يكون القانون صحيحًا لكنه غير عادل، وقد يكون الحكم مطابقًا للنص لكنه بعيد عن العدالة.
بين العدل والعدالة… مساحة قد تختلّ
تاريخ البشرية مليء باللحظات التي تحقق فيها العدل دون العدالة.
فقد يطبّق القاضي القانون بحذافيره، لكنه يظل سجينًا لقانون وُضع في زمن الظلم، أو صيغ لخدمة الأقوياء.
وفي المقابل، قد يشعر الناس بالعدالة حتى في غياب القانون المكتوب، عندما تنتصر قيم المجتمع للضعيف، أو تحمي أعراف الكرامة حقوق الإنسان.
وهذا ما دفع الفلاسفة، من أفلاطون إلى جون رولز، إلى القول إنّ العدالة هي الغاية العليا، والعدل هو وسيلتها. فالغاية لا تكتمل إلا إذا انسجم الفعل مع القيمة، وإذا كان القانون خادمًا للإنصاف لا سيدا عليه.
خلاصة القول
العدل هو ما نفعله.
والعدالة هي ما نؤمن به.
العدل هو القرار.
والعدالة هي الفكرة التي تمنحه شرعية أخلاقية.
وعندما يلتقيان، تولد الدولة الإنسانية التي يعيش الناس فيها بكرامة وطمأنينة، ويشعر كل فرد بأن حقه محفوظ، وأن ميزان الحياة لم يخلق ليُرجح كفّة قويّ على ضعيف، بل ليحقّق التوازن بين الجميع.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
14-12-2025 09:54 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||