09-12-2025 08:27 AM
بقلم : د. محمود الحبيس
في دولةٍ تتشابك فيها التعقيدات اليومية، وتتصارع فيها القرارات بين التقارير الورقية والواقع الميداني، يبرز نموذج نادر استطاع أن يعيد تعريف معنى “المسؤولية العامة”. هذا النموذج تجسّد بوضوح في تجربة معالي المهندس سمير الحباشنة عندما تولّى وزارة الزراعة؛ تجربة لم تكن مجرد إدارة تقليدية، بل ثورة عملٍ ميدانية قلبت المعادلة رأسًا على عقب.
لم يكن الرجل من أولئك الذين يكتفون بقراءة الملفات تحت ضوء المكتب. لقد فتح الباب مشرعًا أمام المواطن، وجعل من يوم الاثنين موعدًا أسبوعيًا ثابتًا يلتقي خلاله كل متلقّي خدمة… دون بروتوكول، دون حواجز، دون انتظار.
بل صمّم نموذجًا خاصًا يسجّل فيه المراجع “جوهر مشكلته” ليتمكن الوزير — مباشرة لا عبر وسطاء — من فهم العقدة وتفكيكها.
أما يوم السبت، فكان ميدانه الحقيقي: بين المزارعين، في الأسواق، في مواقع الإنتاج. يرى، يسمع، يحلّل، ويقرر بناءً على الحقيقة العارية كما هي، لا تلك المصقولة في تقارير مكتبية.
في الجوهر، ما فعله الحباشنة لم يكن بطولياً بل بديهيًا، لكنه البديهي الغائب.
فالقرارات الحقيقية تُصنع في الميدان، في الحقول، في الشوارع، في مكاتب الخدمة، حيث تنبض مشاعر الناس وتتكشّف تعقيداتهم.
اللقاءات الميدانية ليست “نشاطًا إعلاميًا” بل عقل الدولة حين يعمل بكامل طاقته.
إنها تبادل للمعرفة، تدريب ذاتي مستمر، تقييم مباشر، وتصفية للالتباس الذي تخلقه الطبقات البيروقراطية.
الاجتماعات الرسمية مقيدة بسقف وبروتوكول ومحضر؛
أما اللقاء المباشر مع المواطن فهو الحقيقة بلا رتوش، وصوت المعاناة بلا ترتيبات.
وفي تلك الحقيقة يولد القرار الصادق، وتكتسب الدولة هيبتها، ويستعيد المواطن ثقته.
فالرغبة الملكية… ليست شعارًا بل منهجًا للعمل والأهم أن هذا النهج يترجم الرؤية الملكية الداعية إلى حضور المسؤول بين أهله ومجتمعه.
فالقرارات الميدانية أقوى، أدق، وأصدق.
إنها تسدّ الفجوة بين النظرية والتطبيق، وتعيد تشكيل صورة الدولة على أساس من الواقعية لا التجميل.
وفي حكومة الدكتور جعفر حسان برزت ملامح هذا النهج من جديد...منهج يحتاجه المواطن ..منهج سيدنا اطال الله عمره.
دولة الرئيس، ومعه عدد محدود من الوزراء والأمناء العامين، بدأوا تشكيل مدرسة ميدانية تستحق التعميم.
وليس الوزراء وحدهم؛ بل جميع طبقات الإدارة — أمناء ومدراء — مطالبون بأن تكون أقدامهم في الميدان قبل أقلامهم في المكاتب.
النتيجة… دولة أكثر واقعية، مجتمع أكثر ثقة، ومسؤول أكثر نضجًا .
إنّ الزيارات الميدانية ليست خيارًا تجميليًا، بل اشتراطًا للنجاح، وأداةً لبناء الثقة، ومنهجًا لتقليص الواسطة، ومساحةً للتواصل العقلاني الهادئ.
إنها مرآة صادقة تعكس نبض الناس وتعيد للمسؤول بوصلة عمله.
فالمسؤول الذي لا يرى الميدان… لا يرى الحقيقة.
ومن لا يرى الحقيقة… لن يصنع قرارًا محترمًا.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
09-12-2025 08:27 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||