بقلم : محمد يونس العبادي
الوثيقة الوطنية، غنية وفيها ملامح الحياة الأردنية منذ أن أرست الدولة حضورها مطلع القرن الماضي.

وبين هذه الوثائق واحدة تروي عن الصدق والأمانة والتمسك بالأخلاق الحميدة لدى الموظف الأردني، وقيم الإدارة العامة.

وثيقة مؤرخة عام 1937م، تقول إنّ المفتش التربوي صياح الروسان، خلال زيارته إلى مدرسة الكرك للتفتيش والقيام بمهامه منعته الحالة الجوية السائدة بسبب تراكم الثلوج من العودة إلى أهله في عمان، واضطر إلى استخدام هاتف مدرسة الكرك لإبلاغهم أنه لن يتمكن من العودة بسبب الأحوال الجوية.

وتشرح الوثيقة أن المفتش الروسان بعد عودته إلى عمان طلب من مدير المعارف آنذاك، سمير الرفاعي، خصم قيمة المكالمة التي أجراها من هاتف المدرسة وقيمتها (200) مليم من راتبه وسبب طلبه أنه أجرى مكالمة شخصية مع أهله على الرغم من أنه كان في مهمة رسمية.



مدير المعارف بدوره وجه كتابا إلى الدائرة المالية، بالموافقة على خصم المبلغ (200) مليم أجرة المكالمة الشخصية.


ما كتبه الروسان ووافق عليه مدير المعارف آنذاك سمير الرفاعي، هو درس في الإدارة وبخاصة في المؤسسات العامة، وينبأ الأجيال قدرة المؤسسين الأوائل على تأسيس إدارات تتحلى بقيم تصون الدولة وتحرص على المال العام.


وأن الإدارة الحصيفة قادرة على بناء الإنسان والتقدم بالعمران، وهاتان الوثيقتان درس نموذجي في إدارة المال العام والحرص على عدم التسيب وبناء إدارة عامة أردنية مكنت الأردنيين في النصف الثاني من القرن الماضي أن يكونوا رواداً في تأسيس الكثير من الإدارات العامة في دول الجوار.

وأمثال صياح الروسان في الذاكرة الأردنية كُثر كما تورد الوثائق فمنهم ذوقان الهنداوي وعبد الحميد شرف ووصفي التل وهزاع المجالي وحسني فريز وأديب وهبة وغيرهم؛ نجحوا في أن يكون الأردن مدرسة في الإدارة العامة الناجحة، ونحن لا ننكر أن بعض هذه الأطر إما أن تكون بهتت أو وهن بعضها، بسبب إسناد بعض الإدارات إلى أشخاص غير مؤهلين، ولكن رغم ذلك فالخير ما يزال حاضرا في بلدنا ومؤسساتنا، لأن القيم راسخة وتتجاوز الشخوص.

فما زال حتى اليوم رصيد لهذه المدرسة الإدارة بوجهها الأردني تتمثل في القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي – المؤسسة الأولى، والتي لها أدوار كبيرة إلى جانب حماية الوطن في الصحة والتعليم والإعلام وجوانب الحياة كافة.