08-12-2025 08:12 AM
بقلم : الدكتور محمد الهواوشة
في الوقت الذي غرقت فيه شوارع العاصمة عمّان للمرة الثانية خلال موسم مطري لم يبدأ فعليا بعد، خرجت علينا الأمانة باحتفالات صاخبة تتغنّى بحصول أمينها على “جائزة أفضل رئيس بلدية في العالم العربي”. جائزة لا يعرف أحد معاييرها، ولا جهتها الحيادية، ولا أسباب منحها. وبينما تُقدّم بوصفها إنجازاً وطنيا، يكشف الواقع على الأرض مفارقة صادمة بين خطاب التمجيد وبين الحقيقة المرّة التي يعيشها المواطن كل يوم.
عمّان في أول اختبار… فشل واضح لا يحتاج إلى تفسير
الهطول المطري كان عادياً، لا يحمل صفة الاستثنائية، ولا يشكّل ظرفاً طارئا. ومع ذلك، غُمرت الشوارع، وامتلأت الأنفاق، وتعطّلت حركة المرور، وتضررت ممتلكات الناس. هذا لا يدعو للدهشة، بل يعيد طرح السؤال الأزلي: كيف لمدينة تدّعي التطوير والتحديث أن تعجز عن استيعاب مطر موسمي؟
الجواب ليس في “قوة المطر”، بل في ضعف الإدارة، وسوء التخطيط، وغياب بنية تحتية صُممت لتنهار عند أول اختبار.
البنية التحتية لعمّان… ترميم فوق ركام لا رؤية فيه
البنية التحتية للعاصمة ليست فقط متهالكة؛ بل تُدار بمنهجية ترقيع متواصل بلا خطة طويلة الأمد. مشاريع تُنفذ وتُلغى، أرصفة تُشيَّد وتُقتلع، شوارع تُزفت مرتين في العام بينما الأحياء القديمة تُترك لقدرها. ملايين الدنانير تُصرف في مشاريع لا يرى المواطن منها إلا الفوضى وسوء التنفيذ.
هذه ليست إدارة مدينة، بل إدارة ارتجالية تُغلف قراراتها بالشعارات بينما يخفي الواقع خللًا بنيويا كبيرا.
كاميرات المخالفات… من أداة ضبط إلى ماكينة جباية
بدلًا من الاستثمار في شبكة نقل عام محترمة، أو تحسين هندسة المرور، أو إنشاء حلول حقيقية للاختناق اليومي الذي يعانيه سكان العاصمة، اختارت الأمانة الأسلوب الأسهل:
تكثيف كاميرات المخالفات بطريقة لا يمكن وصفها إلا بأنها مصدر دخل مستمر.
المواطن لم يعد يشعر أنه يُدار بحكمة، بل يُلاحَق. فالتركيز صار على العقوبة قبل الخدمة، وعلى الجباية قبل التطوير.
الإدارة الحالية… خطاب منمّق وواقع متردٍّ
الإشكال الجوهري لا يكمن في المطر ولا في الكاميرات، بل في نمط إدارة يعتمد الترويج الإعلامي بديلاً عن العمل الحقيقي.
فبدل أن تُصارح الأمانة الناس بحقيقة المشكلات، تُغرق المشهد بصور احتفالية، وبيانات إنشائية، وجوائز لا تحمل قيمة أمام معاناة المواطن اليومية.
الإدارة الناجحة تُقاس بنتائج ملموسة، لا بأوسمة تُمنح في قاعات مغلقة بعيدا عن أرض الواقع.
خاتمة: عمّان أكبر من مسؤول… وأكبر من جائزة
العاصمة الأردنية الحبيبة مدينة تستحق إدارة واعية، ومسؤولين يمتلكون رؤية لا تُختزل بشعارات أو ألقاب.
أما اليوم، فالمشهد واضح:
مدينة تتعب وتغرق وتختنق… ومسؤول يحتفل بجائزة لا تعبّر عن حالها ولا تحترم معاناة أهلها.
لقد آن الأوان لقول الحقيقة بلا تردد:
عمّان بحاجة إلى إصلاح جذري، لا إلى تكريمات شكلية، ولا إلى إدارة تكتفي بتلميع الصورة بينما تنهار الخدمات تحت المطر الأول.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
08-12-2025 08:12 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||