03-12-2025 10:44 AM
بقلم : د. سميرة أحمد الزيود
في عصر تتسارع فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، وتزداد فيه أعباء المرأة العاملة والزوجة والأم، تبرز الحاجة إلى إعادة قراءة تشريع تعدد الزوجات بعيداً عن الانفعالات، وبمنهج علمي وشرعي موضوعي يكشف الحكمة العميقة التي جعلت الإسلام يعتبره باباً عادلاً يُمارس حين تقتضي الحاجة، ويحقق مصالح إنسانية واسعة للمرأة والمجتمع على حدّ سواء.
وقد جاء هذا التشريع وفق قاعدة قرآنية حاسمة تُعلّم المؤمن أن منهج الله ليس مجالاً للانتقاء وفق الهوى، فقال تعالى:
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
وهذا أصل عظيم يضع التشريع في موضعه الصحيح: “حكمة ورحمة”، لا “عبئاً ومشقة”.
ولنسلط الضوء على هذه الفوائد من عدة نواحي منها:
أولاً: الفوائد الصحية والنفسية للمرأة
1. تخفيف التقلبات المزاجية المرتبطة بالهرمونات
حيث أن المرأة تمرّ بتقلبات نفسية وهرمونية طبيعية تتأثر بها احتياجاتها العاطفية والجسدية ومع شعورها بالضغط أو الإرهاق أو ضعف الطاقة، تحمل في كثير من الأحيان هماً نفسياً خشية التقصير، ويقدّم التعدد هنا حلاً رحيماً يخفف عنها العبء ويمنحها مساحة للراحة دون صراع داخلي.
2. وقت أكبر للعناية بالنفس
إن الفترات التي لا تكون فيها المرأة مطالبة بدور زوجي مباشر تمنحها فرصة:
للعلاج النفسي أو الجسدي،و ممارسة الرياضة، التجميل والعناية الشخصية، الراحة والنوم، استعادة توازنها النفسي.
وهو ما ينعكس إيجاباً على صحتها ورضاها الداخلي.
3. تخفيف الضغط الإنجابي والتربوي
وذلك لأن كثير من النساء لا يحتملن تكرار الحمل والولادة صحياً أو نفسياً، والتعدد هنا يحمي صحتهن وطاقتهن، ويمنحهن فترات كافية للتعافي.
وعلى صعيد آخر راحة نفسية وطمأنينة للزوجة… بعيداً عن الشك والخوف حين يكون التعدد ضمن إطار شرعي واضح، وباحترام وعدل، فإن الزوجة تشعر براحة نفسية حقيقية؛ لأنها تدرك أن زوجها ذهب إلى حلال مُعلَن لا إلى علاقات مشبوهة أو علاقة خفية، وهذا الوعي يضع حدّاً لحالات الشك غير المبرر، ويمنع تلك الهواجس التي تستنزف المرأة حين تخشى أن يُخفِي زوجها علاقة ما.
كما أن التعدد — حين يُمارَس كما أراده الله — يقطع الطريق على:
العلاقات السرّية، الخيانة الزوجية،
استغلال امرأة أو فتاة أخرى في الخفاء تحت مسمى صداقة أو إعجاب،او مجرد نزوة وجعلها عشيقة في الظل بلا حقوق ولا كرامة.
ثانياً: المكاسب الاجتماعية وبناء العلاقات
1. توسيع الدائرة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية
التعدد — عندما يقوم على الاحترام والعدل — يتيح للمرأة تكوين علاقات اجتماعية أكثر اتزاناً، مثل:
صداقات نسائية ناضجة،و شبكات دعم اجتماعي،دوائر تواصل وتعاون، فرص تبادل الخبرات والتجارب.
هذه العلاقات تُعدّ عاملاً مهماً في تعزيز الصحة النفسية للمرأة وفق علم النفس الاجتماعي، لأنها تمنحها شعوراً بالانتماء والاستقرار العاطفي.
إضافة إلى الحفاظ على العلاقات الأسرية وزيارة الأهل ، فإنه مع تخفيف المسؤوليات اليومية، تستطيع المرأة:
زيارة أهلها،صلة رحمها، التفاعل مع مجتمعها، حضور المناسبات دون التزاحم بين الواجبات.
وهذا يعيد لها توازنها الاجتماعي الذي تفتقده كثير من النساء مع متطلبات الحياة المتسارعة.
الى جانب ذلك التفرغ لخدمة المجتمع والعمل التطوعي،
فإن التعدد يمنح المرأة وقتاً وجهداً أكبر للمشاركة في:
المبادرات المجتمعية، الأنشطة التطوعية،العمل الخيري والإنساني.
وهذا بدوره يعزز قيمتها الذاتية ويشبع حاجتها الطبيعية للعطاء.
ثالثاً: دعم نجاح المرأة المهني والعلمي/ على صعيد المهنة والوظيفة:
حين تحصل المرأة على مساحة زمنية منظمة، يصبح بإمكانها:
تطوير مسيرتها المهنية،متابعة الدراسات العليا،تعزيز استقلالها المعرفي،تحسين إنتاجيتها،
وتحقيق طموحاتها بثقة وهدوء.
فالوقت الإضافي هو أحد أكبر العوامل التي ترفع جودة إنجاز المرأة وتقلل ضغط الحياة المعاصر.
رابعاً: الفوائد الروحية والدينية
1. تفرغ للعبادة والروحانيات؛
حين ترتاح المرأة من الضغوط اليومية، يزدهر جانبها الإيماني:
قراءة القرآن،الصوم النوافل، قيام الليل،حضور الدروس الدينية احكام التجويد والتلاوة التفسير وغيرها،والذكر والتدبر.
وهذا من أعظم مصادر الاستقرار النفسي.
2. حفظ الكرامة عبر التشريع،
لأن التعدد ليس فوضى، بل تشريع منظم يحفظ المرأة من الفوضى الأخلاقية والانحرافات التي تنشأ حين يُغلق الباب الشرعي الوحيد الذي يحفظ حقوقها.
وهنا لابد من قراءة شرعية عقلانية –واعية هل نساء اليوم أعلى مكانة من نساء النبي؟؟؟
من غير المنطقي أن تُعامل بعض النساء تشريع التعدد وكأنه انتقاص أو إهانة؛ لأن هذا الطرح يحمل ضمنياً دعوى خطيرة مفادها أن نساء العصر أفضل، أرقى، أو أشرف من نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
هل نساء اليوم أعلى قدراً من السيدة خديجة وأكثر منها حكمة وفطنة ؟
وهي سيدة نساء العالمين.
هل هن أطهر أو أشرف من السيدة عائشة؟
التي قال عنها النبي: “فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام”.
ام أن نساء اليوم اكثر عفة من أم سلمة وماريا القبطية وغيرهن من زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم -رضي الله عنهن وارضاهن.
ومع ذلك، عشن ضمن منظومة تعدد الزوجات، وكنّ راضيات بحكمة التشريع وعدله، وملأن الدنيا نوراً علماً وتقوى وأثراً.
فلماذا ترى بعض النساء اليوم أن الزوج يجب أن يكون حكراً لها “ومِلْكاً خاصاً لا ينبغي لأحد من بعدها ”،، لا يشاركهنّ فيه أحد، وكأن الزواج في ديننا الإسلامي الحنيف أصبح شبيهاً بنظام الزواج المسيحي الذي يمنع التعدد مطلقاً؟
وهل يجوز أن نجعل الشريعة الإسلامية — بما فيها من رحمة وعدل — تشريعات جامدة لا تحل مشكلات الواقع ولا تستوعب حاجات الإنسان؟
التعدد تشريع رحمة… وليس ظلماً
في نهاية المطاف، التعدد ليس إهانة للمرأة ولا انتقاصاً منها.
إنه تشريع رباني عادل، جاء لمعالجة مشكلات معقدة لا يحلّها المنع ولا تكفي فيها العواطف.. وربما يكون بديلاً افضل من الطلاق.
و حاشى لله — الحكيم الخبير — أن يشرّع شيئاً فيه ظلم لعباده.
بل إن كل تكاليفه وتشريعاته جاءت لإقامة العدل، وصيانة الكرامة، وتحقيق الرحمة، وتمكين الإنسان — رجلاً كان أو امرأة — من حياة متوازنة وكريمة.
وكما هو من المهم أن تكون النساء واعيات بحقوقهن وكرامتهن… لكن الأهم أن يكون الرجال "رجال" .. أقوال وأفعال .. لا مجرد صورة باهتة في برواز هش.
د. سميرة أحمد الزيود مستشارة تربوية وأسرية
استاذ مساعد/ جامعة فيلادلفيا
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-12-2025 10:44 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||