01-12-2025 08:20 AM
بقلم : الصيدلي عدوان قشمر نوفل
يخلط كثير من الناس بين مفهومي “الأخلاق” و“الآداب” في التعاملات اليومية، حتى يبدوان كأنهما شيء واحد. لكن الحقيقة أنّ بينهما فرقا جوهريا يشبه الفرق بين جوهر الإنسان ومظهره.
فالأخلاق هي القيم الراسخة التي تسكن القلب وتوجه السلوك حتى دون رقابة، أما الآداب فهي قواعد التعامل التي تنظم العلاقات وتظهر احترام الإنسان لغيره.
ومن هنا نفهم أنّ بناء الشخصية الراقية لا يكتمل إلا بمزج الاثنين: روح نقية… وسلوك مهذب.
أولاً: الأخلاق – جوهر الإنسان وقيمة ذاته
1. الأخلاق في القرآن والسنة: أساس الإيمان
الأخلاق في الإسلام ليست مظهرًا، بل أصل ثابت يقوم عليه الإيمان والتقوى.
يقول الله تعالى:
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحسَانِ﴾
فالعدل والإحسان قيم داخلية لا تتغير بتغير الأحوال.
ويقول أيضًا:
﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾
وهو أمر يربط خلق الرحمة بحديث الإنسان وتعاملاته.
أما النبي ﷺ فقد لخّص الرسالة كلّها بقوله:
"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"
وفي حديث آخر:
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"
وهذا خلق داخلي لا يراه الناس، بل يراه الله.
2. الأخلاق في الفلسفة: ما يبقى حين تطفأ الأنوار
لم يختلف الفلاسفة عن الأديان في تقدير الأخلاق، بل اعتبروها ميزانا حقيقيا لقيمة الإنسان.
الفيلسوف أرسطو
رأى أن الأخلاق “فضائل راسخة” تمارس بسهولة دون تكلف.
فالإنسان الشجاع لا يتصنع الشجاعة، بل يحملها في داخله.
الفيلسوف كانط
قال إن الأخلاق تنبع من الواجب الداخلي وليس من المصلحة أو المجامله> "افعل الخير لأنه خير، لا لأن الناس يرونه."
الغزالي وابن مسكويه
اعتبرا الأخلاق ملكات داخلية تحتاج إلى تهذيب مستمر، وقال الغزالي:
> "من تكلف أخلاقا ليست فيه، سقطت عنه سريعا لم تصبح طبعا."
3. تجليات الأخلاق في الحياة اليومية
الأخلاق تظهر في المواقف التي لا يرانا فيها أحد، مثل:
قول الصدق ولو ضد المصلحة.
رد الأمانة لأصحابها.
الاعتذار بلا كبرياء.
مساعدة الضعيف دون انتظار شكر.
ضبط النفس وقت الغضب.
الوفاء بالعهود.
هذه ليست قواعد اجتماعية…
بل قيم تبنى في القلب.
ثانيا: الآداب – سلوك يتهذب به المجتمع
1. الآداب: قواعد تنظم العلاقات
الآداب هي الإطار الخارجي الذي يحافظ على جمال العلاقات ويمنع الفوضى الاجتماعية.
وهي جزء مهم من صورة الإنسان، حتى لو لم تكن دائمًا دليلًا على جوهره.
خصائص الآداب
تتغير بتغير المجتمع والثقافة.
تكتسب بالتربية والملاحظة.
تعنى بتنظيم العلاقات الظاهرة.
2. الآداب في النصوص الشرعية
جاء القرآن مليئًا بآيات تنظم تعاملات الناس:
آداب الاستئذان
﴿لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حتّى تَسْتَأْنِسُوا﴾
آية تؤسس لمبدأ احترام الخصوصية.
آداب السلام
﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا﴾
السلام باب المودة والتعارف.
وفي السنة:
"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت"
"إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم"
هذه النصوص تنظم السلوك الاجتماعي بطريقة تحفظ كرامة الجميع.
3. أمثلة على الآداب اليومية
آداب الكلام: خفض الصوت، اختيار الكلمات، عدم المقاطعة.
آداب الحوار: الإنصات واحترام رأي الآخر.
آداب الزيارة: اختيار الوقت المناسب.
آداب الطريق: عدم إيذاء الآخرين.
آداب العمل: احترام الوقت والمسؤولية.
آداب استخدام الهاتف ومواقع التواصل.
هذه الآداب تظهر صورة المجتمع الراقي.
الفرق الجوهري بين الأخلاق والآداب
* الأخلاق ثابتة… الآداب متغيرة
*فالأخلاق قيم داخلية مستقرة، بينما الآداب تختلف من بيئة لأخرى.
الأخلاق جوهر… الآداب مظهر
قد تجد إنسانا لطيف الكلام لكنه غير أمين.
وقد تجد آخر صادقا لكنه لا يجيد المجاملات.
الأخلاق تختبر في الخفاء… الآداب ترى في العلن
الأخلاق معيار الله،
والآداب معيار الناس.
لماذا نحتاج الاثنين معًا؟
الأخلاق تكسب الإنسان قيمته أمام الله.
الآداب تكسبه احترام الناس.
الأخلاق تبني الثقة.
الآداب تبني العلاقات.
الجمع بينهما يصنع شخصية عظيمة.
يقول الغزالي:
"حسن الخلق هو اجتماع محاسن الظاهر والباطن."
خاتمة
الأخلاق والآداب جناحان يطير بهما الإنسان في فضاء الإنسانية.
الأولى تهذب القلب، والثانية تهذب السلوك.
ومن جمع بينهما عاش محترمًا، وترك أثرًا، وبنى لنفسه مقامًا في قلوب الناس.
إن الإنسان الكامل ليس من يتجمّل أمام الناس فقط، ولا من يكتفي بنقاء السريرة دون تهذيب السلوك،
بل هو من جمع بين جوهر مستقيم و مظهر مهذّب…
فكان قدوة، وكان حضوره بركة.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
01-12-2025 08:20 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||