27-11-2025 08:38 PM
بقلم : عبدالسلام الطراونة
>بسم الله فاتحة الخطاب والمبتدى... والحمد لله خبره والمنتهى وبعد، فقد أصغيت بكل جوارحي لوقائع الشهادة القومية المتلفزة التي صاغ أركانها وفصولها ومغزاها بكل صدقٍ ووفاءٍ وإخلاص العضو السابق في مجلس الدولة العُماني ونائب رئيس البرلمان العربي، والكاتب والمفكر والإعلامي الدكتور علي بن مسعود المعشني من سلطنة عُمان الشقيقة.
وقد توجت الشهادة بعنوان أثير هو: (وصفي التل الرجل الأمة).. وانطلقت دررها الرصينة على الهواء عبر قناة (النبراس) العُمانية لتعطر بالمسك والعنبر الفضاء العربي من صلالة إلى طنجة ومن طنجة إلى صلالة، وتعيد انتاج ذكريات البهاء الوطني والقومي عبر الأجواء القومية الراكدة من الماء إلى الماء!!
ويقتضي الإنصاف أولاً أن أتوجه بالشكر العميق لأخي في العروبة الدكتور المعشني وأجهر بالقول: "أبدعت .. وصحَّ منطوقك يا بن الأكرمين!!"
نعم .. أبدعت في شهادتك القومية الصادقة التي كان لبيانها ودلالاتها وقع ومفعول السحر وأزود!! وأبدعت ثانيا في اختيار العنوان الذي يليق بقامة وطنية وقومية باسقة!.. قامة الفارس الشهم (وصفي).. وحالفك التوفيق في سرد المزايا الفريدة والصفات الحميدة لوصفي الرجل الأمة! وأبدعت أيَّما إبداع في المقارنة التي عقدتها بين الرمز الوطني والقومي الكبير الشهيد وصفي التل والزعيم الهندي التاريخي الكبير المهاتما غاندي.. وأبدعت كذلك من خلال دعوتك الصادقة للناس أجمعين والمسؤولين الكبار على حدٍ سواء بضرورة إعادة قراءة فكر ونهج وإدارة (وصفي) الذي كان عنواناً كبيراً لمرحلة بهية في تاريخنا المعاصر... وضرورة التأسي بنهجه.. وفروسيته.. وصدقه.. ونظافة يده.. وطهارة سريرته.. ومحاربته للفساد والإفساد والمفسدين دون هوادة وشجاعته وإخلاصه لوطنه وأمته وقيادته وتقديسه للقضية الفلسطينية!!
ويدفعني صدق حديثك وبهاء بيانك معطوفاً على عشقنا أنت وأنا للرمز الكبير وصفي التل، بأن أتمنى عليك بأن نشرع معاً أنت وأنا بجوله في أركان الأردن الأربعة وأقطار الجوار العربي المحاذية لكي نترسم معالم وصنوف المجد الذي أنجزتْهُ بكل جدارة واقتدار بوصلة (وصفي) الذي نعشقه كلانا، مثلما يعشقه الأحفاد وكل الشرفاء والمخلصين والصادقين في وطننا العربي الكبير.
فهيَّا بنا نبسمل أولاً، ومن ثم نبدأ جولة المجد المؤزَّر والعمل الدؤوب متجهين نحو شمال المملكة برفقة التاريخ والجغرافيا.. ونقطة انطلاقنا تبدأ من قلب شارع وصفي التل الذي يقع في قلب عمّان وبالتحديد على بعد خطوات معدودة إلى الجنوب من وزارة الثقافة حيث نقف في ساحةٍ فسيحةٍ تحيط بنا العنادل والحمائم التي جذبها لا بل أصبح موئلها شارع (وصفي) واسم (وصفي) حين غاب عنها رسمه البهيّ!! تلك العنادل التي ترتاد هذا المكان مع ضحى كل يوم وفاءً لوصفي الذي كان يفيض بحنانه ويطعم بيده الكريمة أجدادها وأجداد أجدادها من الستينيات من القرن الماضي من خبز وذرة وقمح (الكمالية) أيام الثلج والمطر الشديد، ذات زمان بهيّ مضى لكن ذكرى ذاك الزمان باقية أبد الدهر في وجدان البشر وقلوب الطير على حد سواء!!
وعلى بعد خطوات باتجاه الشمال نعرج على صرح علمي كبير هو الجامعة الأردنية التي أنشأها وصفي التل خلال حكومته الأولى.. وحظي مشروع إقامتها بالدعم الكامل من لَدُن جلالة المغفور له الملك الحسين باني نهضة الأردن طيب الله ثراه.. فولدت الجامعة الأم وانفتح بحول الله سبيل النهضة التعليمية والثقافية في بلدنا العزيز من أوسع أبوابه!!
وفي الجوار نطرق باب مستشفى الجامعة الأردنية الذي أقامه (وصفي) ليكون ذراعاً طبياً وتعليمياً للجامعة، وموئلاً يمنح الدفء والحنان والشفاء بحول الله، للمرضى الذين يتوافدون إليه من كل حدب وصوب!
ونعرج على مخيم الحسين والذي ما أن بلغ (وصفي) خبر انقطاع المياه عنه حتى سارع إلى الاتصال مع مدير الدفاع المدني وأوعز إليه بأن يجهز وعلى الفور اسطولاً من صهاريج المياه ويشرف بنفسه على إيصالها للمخيم ليؤكد بذلك بأن الحكومة في خدمة الشعب لا سيدة عليه.. فوصلت الصهاريج وشرب أهلنا في المخيم ماء زلالاً في غضون ساعات معدودة!!
ونمضي في مسيرتنا صوب (الكمالية) حيث يقع منزل (وصفي) وضريح وطنٍ من لحمٍ ودم.. ونقرأ الفاتحة وسورة الضحى على روح الشهيد، ثم نستذكر قصة الأعمدة الثلاثة التي وضعتها وزارة المواصلات لإيصال الخدمة الهاتفية من الشارع العام إلى منزله عندما أصبح رئيساً للوزراء،، وفي اليوم التالي لتركيب الأعمدة، هاتف الرئيس وصفي وزير المالية وطلب منه أن يقتطع ثمن الأعمدة وتكلفة تركيبها من راتبه وعلى ثلاث دفعات وليس من خزينة الدولة، وهكذا كان!!
ونغُذُّ الخطى نحو الشمال لنصل إلى محطة الأقمار الصناعية التي تم إنشاؤها خلال حكومة وصفي الثانية، والتي أصبحت نقطة تواصل بالغة الأهمية لربط الأردن مع دول العالم في الشرق والغرب!
ونواصل جولتنا لنطل من حالقٍ على سدِّ الملك طلال الذي بناه (وصفي) ووفر بذلك حصاداً مائياً وفيراً وبحيرة مترامية الأطراف بحيث تكفي لاستصلاح وسقاية عشرات الآلاف من دونمات الأرض العطشى في الأغوار والتي أضحت بعد إقامة السد مترعة بالماء.. وواحة خضراء مثمرة تسر الناظرين.. مثلما أضحت سلّة غذاء للأردن، وداعماً قوياً للاقتصاد الأردني من خلال تصدير الخضار والفواكه للدول العربية الشقيقة.. وقد حرص (وصفي) في الوقت ذاته على إنشاء ساعد مائي قوي للسد، يتمثل في قناة الغور الشرقية التي تخترق مناطق الأغوار وتوفر مياه الشرب والزراعة لمساحات شاسعة تبدأ من بلدة العدسية والمخيبة الفوقا في أقصى شمال المملكة وحتى الشونة الجنوبية بالقرب من البحر الميت!!
ونلتفت إلى اليمين ونحن نقف على تخوم سد الملك طلال وبالتحديد نخو مناطق وبلدات تل الرمان وسلحوب والسليحي ومرصع لنشاهد غابة كبيرة مترامية الأطرف والتي تمت زراعتها بطريقة مبتكرة لا تخطر على بال أحد!! والطريقة الفريدة التي ابتدعها (وصفي) جاءت حين استعصت الجبال الوعرة في تلك المنطقة على الحراثة بواسطة التراكتورات والمحاريث البدائية.. فقام (أخو علياء) بإلقاء بذور السرو والصنوبر واللزّاب من الجو بواسطة الطائرات العمودية.. فولدت غابة رحبة تبهج الخاطر بخضرتها الدائمة وعبقها الأخّاذ ورائحتها الزكية في أيام الصيف والشتاء.. وغدت متنزهاً واسعاً يؤمه المواطنون والسواح وأشبال معسكرات الحسين مع تباشير ربيع كل عام وحتى نهاية الصيف.. وأطلق على الغابة الكبيرة إسم (غابة وصفي) تكريما للرمز الكبير الذي استشهد فداءً للوطن والقضية المقدسة!
ونواصل السير باتجاه الشمال لنحط الرحال في مدينة (الرمثا) ونتوقف عبر سهولها لنستذكر قصة أسطول شاحنات القمح السورية التي اصطفت ذات يوم على جانبي الطريق عبر الحدود بين القطرين الشقيقين وكان أول الأسطول يقف على مشارف مدينة الرمثا وآخره في منطقة (الشيخ مسكين) السورية... ولهذا الأسطول قصة وها أنذا أرويها لكم وهاكموها!!
كان ذلك في أحد الأيام من ستينات القرن الماضي حين أعلنت الولايات المتحدة قرارها القاضي بوقف المساعدات الأمريكية من إمدادات القمح إلى الأردن مع ما يستتبع من أضرار تتعلق بالأمن الغذائي وخبز الناس.. وعلى الفور سارع وصفي إلى الاتصال مع جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه، واقترح بأن يقوم بزيارة خاطفة إلى (دمشق) بهدف تزويد الأردن بالقمح.. وهكذا كان.. فقد ذهب الرئيس (وصفي) إلى سوريا في اليوم التالي والتقى بالأشقاء السوريين الذين رحبوّا به أجمل ترحيب وتنادوا على الفور لنجدة أشقائهم في الأردن.. وقاموا بإرسال أسطول كبير من شاحنات القمح التي اصطفت من بلدة (الشيخ مسكين) السورية وحتى طلائع مدينة (الرمثا).. فامتلأت صوامع دولتنا وكواير أهلنا بقمح الأشقاء.. وتم الاستغناء عن قمح الأمريكان!! واستبدلنا قمح الغير بحنطة الأشقاء!! وبالمناسبة فقد رددنا الجميل لأشقائنا السوريين في وقت لاحق.
ونجتاز الحدود من الرمثا لنصل إلى دمشق ونتوقف في منطقة (المزّة) وبالتحديد عند أبواب سجن المزّة حيث اتخذ الرئيس السوري حسني الزعيم قراراً يقضي بسجن قائد الفوج الرابع في جيش الإنقاذ الفلسطيني (وصفي التل) ومجموعة من رفاقه في الجيش الفلسطيني.. أما عن السبب فهو أن وصفي ورفاقه في الجيش الفلسطيني أعلنوا رفضهم للهدنة في العام 1949، لأنها تصب في صالح العصابات الصهيونية!! وأعلنوا مواصلتهم حرب المقاومة الفدائية ضد العدو الصهيوني.. وإزاء هذا الموقف الذي يختلف مع توجه حسني الزعيم، فقد أصدرت المحكمة العسكرية وبتوجيه من الزعيم نفسه حكماً بالإعدام ضد وصفي التل ورفاقه الفلسطينين الذين انتظروا مدة ثلاثة أشهر في سجن المزّة بانتظار حكم الإعدام الظالم.. ولكن الله سلّم,, ونجا (وصفي) ورفاقه من الموت بأعجوبة روى تفاصيلها في وقت سابق معالي المرحوم الدكتور محمد صبحي أبو غنيمة سفير الأردن في سوريا آنذاك!!
ونعود إلى نقطة الانطلاق من شارع وصفي التل، حيث العنادل الوفيّة ما تزال في الانتظار، لنواصل جولة المجد إلى جنوب المملكة، وعلى بعد خطوات نحط الرحال في باحة شركة الفوسفات التي نشأت خلال حكومة (وصفي) الأولى، لتحيل السواعد الأردنية العاملة تراب الأردن إلى تبر وذهب يرفد خزينة الدولة وينفع الوطن والناس..!
ونعرج على جارتها شركة البوتاس العربية التي أنشأها وصفي التل لتكون أول مشروع قومي عربي رائد يقام على الأرض الأردنية ويدر على الأردن والأشقاء العرب منافع مادية ومعنوية قومية مرموقة... وعلى بعد خطوات من موقع الشركة العربية العملاقة نصل إلى مؤسسة الإقراض الزراعي التي طوّر (وصفي) دورها وأداءها لتصبح بنكاً للتسليف ورافداً مالياً منيعاً للمزارعين والفقراء والفلاحين.. نعم مؤسسة إقراضية تديرها يد رجل حريصٍ على المال العام وحازم بالحق وطاهر السريرة ونظيف اليد هو المرحوم محمد عودة القرعان طيَّب الله ثراه. وجدير بالذكر أن الرمز الكبير (وصفي التل) استشهد وكان مديناً لمؤسسة الأقراض الزراعي رغم أن كل أموال الأردن وموازنته كانت بين يديه.. أما عن ماهية الديّن فهو قرض استلفه الشهيد وصفي التل لاستصلاح الأرض وزراعتها وشراء تراكتور زراعي وطرمبة للمياه وثمن بذور وديزل وبعض المواد الزراعية.. وقام جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه بتسديد الديون الزراعية المترتبة على الشهيد وصفي طيب الله ثراه.
ونمضي إلى وسط عمان لنقف عند إحدى الإشارات الضوئية وهي واحدة من منظومة الإشارات التي تم إنشاؤها خلال حكومة (وصفي) الثالثة، وكانت في حينه أي في ستينات القرن الماضي حدثاً كبيراً وعاملاً هاماً في مجال تنظيم السير!!
ونغذُّ السير باتجاه الجنوب لنصل إلى مؤسسة التلفزيون التي تم إنشاؤها خلال حكومة (وصفي) الثانية وبجوارها الإذاعة الأردنية التي قام الشهيد وصفي بتطوير عملها عندما كان مديرها العام واستحدث البرنامج العبري الذي خاطب الصهاينة بلغتهم وساهم في كشف الأكاذيب والأحابيل الصهيونية وزعرنة قطعان المستوطنين وسفالة شذاذ الآفاق الذين ابتلانا بهم الاستعمار الغربي حين جلبهم ذات لحظة ضعف عربية إلى فلسطين العزيزة.. وعهد (وصفي) بإدارة البرنامج العبري إلى الإعلامي القدير المرحوم جورج حداد الخبير بالشؤون الإسرائيلية والصهيونية فأبدع الرجل أيما إبداع!
ويُذكر أن الرئيس وصفي عندما كان مديراً عاماً للإذاعة قام بتعيين كوكبة من الحزبيين من مختلف الأطياف: من بعثيين وقوميين عرب وإخوان مسلمين وشيوعيين وقوميين سوريين رغم اعتراض مدير المخابرات في حينه المرحوم الفريق محمد رسول الكيلاني، ورداً على اعتراضه خاطبه (وصفي) بالقول: "يا باشا.. هذول الحزبيين هم وجه البكسه في بلدنا.. ولا خير في بلد لا تتنوع فيه الآراء وتتباين به الرؤى والأفكار...".. وهكذا استطاع الشهيد وصفي حلّ معضلة كبرى كانت تواجه الأردن تجاه الأحزاب من خلال هذا التعيين وتطعيم الحكومات بالحزبيين، فجعل من الحزبيين والذين كانوا خصوم الأمس، سنداً للوطن والعرش الهاشمي. فقد انتظم أفراد هذه الكوكبة ضمن فريق واحد هدفه خدمة الحق والحقيقة والذود عن الوطن والعرش الهاشمي.
ونمضي باتجاه الجنوب لنصل إلى وزارة الخارجية التي طوّر الشهيد وصفي التل أداءها، حين استن امتحان الدبلوماسية بشقيه الشفوي باللغة الإنجليزية والتحريري باللغة العربية كوسيلة وحيدة لولوج بوابة الخارجية والتعيين فيها حسب الكفاءة وبعيداً عن المحسوبية والنزول بالباراشوت ومجاملة الذوات وكبار المسؤولين.. وبالمناسبة فقد كنت أحد المتقدمين لامتحان الدبلوماسية والذي جرى على مدرج سمير الرفاعي بالجامعة الأردنية، ونجحتُ في الامتحان بشقية الشفوي والتحريري في العام 1971، لكنني لم ألتحق بالخارجية لأسباب ذكرتها في مقال سابق، وهي أنني أصبحت زاهداً في كل شيء بعد رحيل الرمز الكبير الشهيد وصفي التل طيب الله ثراه..
ونواصل السير باتجاه الجنوب عبر الخط الصحراوي الذي أنشأه صاحب الولاية العامة بحق وحقيق رئيس الوزراء وصفي التل، وأصبح الخط بمثابة العصب الرئيس الذي يربط شمال الأردن ووسطه مع الجنوب وبعض الأقطار العربية، وساهم الخط الصحراوي في زيادة صادرات الأردن من الفوسفات وزيادة تنشيط ميناء العقبة.
ونمضي عبر الطريق الصحراوي وصولاً إلى بلدة (القطرانة) حيث نرى على الجانب الأيمن من البلدة واحة خضراء فسيحة بدت مثل حبة خال خضراء على خد الصحراء.. وكانت هذه الواحة باكورة مشروع الحسين الأخضر الذي بدأه الرئيس (وصفي) لتخضير الصحراء وتشجيع الزراعة في سياق مشروعه الأوسع القاضي بالتشجير الإلزامي في المملكة الأردنية الهاشمية. وازدهرَ المشروع الريادي الذي يحمل اسماً كبيراً وغالياً على قلوبنا جميعاً وهو اسم "الحسين العظيم طيب الله ثراه.
وقد اختار الرئيس وصفي فريقا مؤلفاً من (18) شخصية مرموقة في محافظة الكرك للإشراف على المشروع بالتعاون مع المسؤولين في وزارة الزراعة.. وكان والدي المرحوم سليمان الطراونة - طيب الله ثراه- أحد أعضاء هذا الفريق الذي تولى مهمة الإشراف على هذا المشروع الرائد.
وما زلت أذكر بساتين الزيتون والفواكه في بلدتي مؤتة والمزار الجنوبي، اللتين شملهما مشروع الحسين الأخضر... وفازت تلك المزارع بأرفع الجوائز خلال المسابقة التي أجراها رئيس الوزراء السيد وصفي التل لاختيار أجمل المزارع في المملكة.
وننطلق من بلدة القطرانة إلى مدينة الكرك، جوهرة الصحرا ودرتها التي استقبلت بالأحضان معلم الفيزياء وصفي التل الذي قدم إلى مدرسة الكرك الثانوية في الأربعينيات من القرن الماضي لتدريس مادة الفيزياء، ولكنه ابتدع مساقاً آخر إضافيا وهو كيمياء التمرد على الظلم بشقية الأفقي والعمودي، وكيمياء الانتماء الوطني وكيمياء المواجهة مع العدو الصهيوني. وكان المعلم (وصفي) يفيض لطلابه بهذا المساق بعد انتهاء حصة الفيزياء!! وجدير بالذكر أن الشهيد وصفي التل جسّد تفاصيل هذه الكيمياء ووثقها من خلال كتابه الصادر بعنوان (دور الخُلق والعقل في معركة تحرير فلسطين)!
ونمضي في رحلة المجد إلى الجنوب لنلثم ثغر الأردن الباسم – العقبة- والتي كان للرئيس وصفي التل أثر كبير في توسعة مينائها ومنطقة العقبة كيلومترات عديدة.. وبتوجيه من جلالة المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه، تابع رئيس الوزراء وصفي التل المحادثات مع الأشقاء في المملكة العربية السعودية، وتمت توسعة الميناء ومنطقة العقبة عشرات الكيلومترات في سياق تبادل الأراضي بين البلدين الشقيقين.
كما حرص (وصفي) على إقامة سوق تجاري كبير في العقبة .. وانتخى سلاح الهندسة الملكي لأداء هذه المهمة، فأبدع فرسان الجيش العربي بإقامة تلك السوق في غضون ثلاثة أشهر.
ونجتاز الحدود باتجاه الشقيقة مصر، لنصل إلى مدينة السويس المطلة على البحر الأحمر فنقرأ في وثائقها برقية مرسلة من وصفي التل إلى المغفور له سيادة المرحوم الرئيس جمال عبدالناصر – طيب الله ثراه- ويطلب (وصفي) من خلالها موافقته على أن يتطوع في صفوف الجيش المصري من أجل الدفاع عن الشقيقة مصر في وجه العدوان الثلاثي الغاشم!!
ومن السويس إلى القاهرة، حيث شهدنا في الثامن والعشرين من تشرين الثاني للعام 1971 يوما مشؤوماً امتلأت نفوسنا وقلوبنا خلاله بالغضب والحزن والوجع، عندما طالت يد الغدر الآثمة حلمنا الوطني والقومي الكبير (وصفي التل) الذي استشهد فيما كان يحمل في أوراقه مشروعاً قومياً لتحرير فلسطين، وكان على وشك عرضه أمام مجلس وزراء الدفاع العرب .. لكن يد الغدر حالت دون اكتمال حلمنا القومي الكبير!!
وفي الختام أقول:
هذا هو الفارس العظيم الذي كان ديدنه الإخلاص والعمل الدؤوب من أجل الوطن والعرش الهاشمي والأمة العربية والقضية الفلسطينية المقدسة!!
هذا هو القومي الشجاع ونصير الغالية فلسطين، الذي تطوع في جيش الإنقاذ الفلسطيني، وخاض المعارك على أرضها المقدسة ضد العدو الصهيوني، وأصيب في ساقه في إحدى المعارك فاختلط مسك دمه مع ثرى فلسطين الطهور.
هذا هو صاحب الولاية العامة بحق وحقيق والذي حقق عبر بضع سنوات انجازات ضخمة وكانت أشبه بالمعجزات!!
هذا هو الفارس الاستثنائي الذي طبع المجد على خد الوطن!
هذا هو نصير الفقراء والفلاحين والمستضعفين،،، وقاهر الفساد والإفساد والمفسدين!
هذا هو الرجل الأمة .. فأتوني بمثله لنضعه في سويداء القلب إلى جانب اسم ورسم وصفي الخالدين في أعماق الوجدان!
هذا هو الوطن المزيون من لحم ودم وبطولة!
هذا هو البطل الوطني والقومي .. هذا ابن اخت البطل صلاح الدين، ونِعمَ البطلين الخالدين.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
27-11-2025 08:38 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||