25-11-2025 05:28 PM
بقلم : د. يوسف عبيدالله خريسات
أصبح البودكاست اليوم أكثر من وسيلة إعلامية حديثة إنه منصة سردية متكاملة تجمع بين الصوت والصورة ،والتجربة والتحليل، والحكاية والنقد.
إنه صوت مباشر وهادئ قادر على إيصال الحقيقة بأسلوب واضح ويترك أثرًا في العقل والوجدان. وفي ظل سرعة الأحداث وتتداخل الروايات وتعددها يصبح النقد السردي البناء ضرورة لا بد منها لأنه يحوّل نقل الوقائع إلى فهم شامل يتيح للمجتمع إدراك ذاته وتاريخه بعمق.
فكل ضيف في البودكاست شاهد على حقبة زمنية محددة ويروي الأحداث من زاويته الخاصة به. فالتعدد في الروايات لحدث واحد أو حقبة زمنية واحدة يخلق تضاربًا طبيعيًا بين الروايات لكن هذا التضارب ليس خللًا، بمقدار ما هو وعي يقودك إلى جوهر الحقيقة فكل زاوية في الرواية تضيف عمقًا، وكل شهادة تكمل الصورة الأكبر لتصبح الرواية الوطنية مقاربة للواقع كما عاشه الجميع، والرواية هنا تنطلق من صانع الحدث أو من المشارك فيه أو الشاهد عليه.
وعندما يدرك الضيف الحلقة أن سهام النقد ستنسل من كنانتها وتصوب نحوه يدرك أن قول الحقيقة أكبر بكثير من اختلاق المبررات أو الاعتماد على الذكاء الدبلوماسي فالسؤال للوطن والجواب للتاريخ وعند هذه اللحظة يتحول البودكاست إلى كرسي الاعتراف الرقمي بالحقيقة، حيث يواجه الضيف ذاته وتجاربه أمام المحاور والمستمع والتاريخ، وعليه أن يكون صادقًا مع نفسه قبل أن يكون صادقًا مع الآخرين.
وبعد كل لقاء، ينهض النقد وتتفاعل الكتابات والمقالات مع الموضوع، وتتنقل النقاشات إلى المجالس العامة، مما يشكل النقد السردي الانطباعي هذه العملية تمكّن النقاد المتعمقين والمحللين من إعادة بناء الحكاية كما شاهدها الزمن الوطني، فتنهض الحقيقة برداء الصدق وتتحول إلى تجربة جماعية حيّة. والنقد هنا ليس هدمًا، وانما نهضة للسرد؛ إذ يوازن بين الروايات ويقرأ الحدث من أكثر من منظور وزاوية ويحوّل تضارب الروايات إلى معرفة حقيقية وقيمة وطنية وسردية صادقة
البودكاست لا يروي الماضي فقط وانما يبني الوعي الوطني ويزرع الانتماء ويثبت ذاكرة المجتمع. ويصبح المستمع شريكًا في الحكاية، وقادرًا على استيعاب الحقائق، وتقدير تعدد الرؤى، وتحويل الصوت الفردي إلى إدراك مجتمعي. فكل زاوية وكل تضارب وكل شهادة تصبح جزءًا من الحقيقة الكاملة التي عاشها الجميع، ويصبح النقد السردي جسرًا بين الحكاية الفردية والصادق التاريخي
فالسردية الوطنية ليست نصًا جامدًا يُقرأ ولا خطابًا يلقى من الأعلى بل رواية جماعية حية تتسم بالتعددية وتستوعب تضارب التجارب والروايات عبر النقد السردي العميق لتصبح حقيقة ملموسة وواعية. والبودكاست هو الأداة التي تمنح هذا الصوت الحيوي وتحول الرواية إلى تجربة واقعية وملهمة تصل مباشرة إلى عقل ووجدان المستمع، وتثبت أن الحقيقة ليست ما يُقال بل ما يُفهم ويُعاش في عمق التجربة الوطنية، لتصبح رواية الجماعة إرثًا حقيقيًا للأجيال القادمة.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-11-2025 05:28 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||