حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,25 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6278

الخطيب يكتب: بين "المؤثّر" و"المُتابَع": من يصنع الرأي العام في الأردن؟

الخطيب يكتب: بين "المؤثّر" و"المُتابَع": من يصنع الرأي العام في الأردن؟

  الخطيب يكتب: بين "المؤثّر" و"المُتابَع": من يصنع الرأي العام في الأردن؟

24-11-2025 11:15 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : عقيد متقاعد محمد الخطيب
في زمنٍ انتقلت فيه الكاميرا من يد الصحفي إلى جيب كل فرد، وامتزجت فيه المعلومة بالترفيه، ظهر جيل كامل من المصطلحات التي تغزو حياتنا اليومية: مؤثّر… صانع محتوى… ناشط… مشهور.......
لكن السؤال الجوهري الذي يطرحه كثيرون اليوم هو: ما المعيار الحقيقي لقياس التأثير؟ هل هو عدد المتابعين؟ أم جودة المحتوى؟ أم القدرة الفعلية على إحداث تغيير في وعي الناس وسلوكهم؟
المتابعون… ليسوا معيارا للتأثير، في الواقع، أثبتت التجربة الرقمية أن الأرقام خادعة.
الآلاف يمكن شراؤهم، والملايين تُجمع عبر محتوى سطحي لا يقدم قيمة، بل يستغل “الصدمة والضحك والتعري واللهجة، والفضائح” لجذب الجمهور.
لكن هل هذا يجعل صاحبها "مؤثرا"؟ بالطبع لا.
التأثير الحقيقي ليس عددا، بل أثر. هو القدرة على: تشكيل رأي، تحريك نقاش، تحسين وعي، أو على الأقل تقديم معلومة صحيحة… لا تضليل ولا استعراض.
المحتوى… يصنع الفرق
في الأردن، كما في غيره، نرى فئتين واضحتين:
1- فئة "الضجيج":
هؤلاء الذين يعرفهم الناس لأن فيديوهاتهم “تنتشر”، لا لأنها ذات قيمة. يصنعون محتوى سريعا، خفيفا، يعتمد على المشاهدات، لا على الفكر أو المعرفة. مشاهير بالصدفة… أو بالترند.
2- فئة "الأثر":
أشخاص لا يملكون ملايين المتابعين، لكنهم يمتلكون كلمة، فكرة، معلومة، قدرة تحليلية، أو رسالة اجتماعية.
هؤلاء هم صُنّاع الرأي، حتى لو لم يحتلوا “الترند”.
وفي المجتمع الأردني تحديدا، ظهر خلال السنوات الأخيرة صوت جديد: صوت الشباب المثقف، الباحث، الاقتصادي، الحقوقي، والخبراء الذين يقدمون محتوى عميقا بات الجمهور الواعي والمثقف يتجه إليه كبديل عن الفوضى الرقمية.


مشكلة "التضخيم الإعلامي"
ما يحدث في الأردن أيضا، هو ظاهرة صناعة نجومية وهمية لبعض الأشخاص عبر المنصات، ثم التعامل معهم وكأنهم ممثلون للرأي العام أو خبراء في قضايا وطنية حساسة.
بينما الحقيقة أن بعضهم “مؤثّر” فقط في الألعاب الإلكترونية، أو في وصف الطعام، أو في مقاطع الكوميديا… وليس في الملف الاقتصادي أو الاجتماعي او السياسي.
وهنا تكمن الخطورة:
عندما يصبح صاحب محتوى تافه صوتا أعلى من صاحب رأي وخبرة.
من المسؤول؟
المنصة وحدها ليست الملامة.
هناك اربعة أطراف تصنع هذا المشهد:
1- الجمهور
حين يكافئ المحتوى السطحي بالمشاهدة والمشاركة، يرسّخ نمطا لا معنى له.
2- الإعلام
عندما يفتح الباب لأي شخص مشهور رقميا ليعلّق على ملفات وطنية عميقة، دون تدقيق أو مسؤولية.
3- المؤثّر نفسه
الذي يقفز فوق حدوده المهنية والمعرفية، ويتحول إلى ناطق باسم كل شيء… دون امتلاك الأدوات.
4- الحكومة
تلعب الحكومة، بقصد أو دون قصد، دورا في تشكيل هذا المشهد الرقمي، حين تتعامل أحيانا مع بعض “االتافهين” كبديل عن الإعلام المهني أو الخبراء، فتمنحهم مساحة أو حضورا أو دعوات رسمية تُضفي عليهم شرعية غير مستحقة.
وعندما تُغفل المعايير الحقيقية لاختيار المتحدثين وصنّاع المحتوى — مثل المعرفة، والخبرة، والمسؤولية — فإنها تُسهم في خلط الأدوار، وتضع المجتمع أمام مشهد مرتبك يعلو فيه صوت الترفيه على صوت التنوير.

كما أن غياب استراتيجية حكومية واضحة للتعامل مع المحتوى الرقمي، وعدم الاستثمار في إنتاج رسائل إعلامية حديثة وفعالة، يفتح المجال أمام أصحاب المحتوى السطحي ليملؤوا الفراغ، ويصبحوا مصادر للمعلومة — حتى لو كانت غير دقيقة.
كيف نعيد تعريف “المؤثّر” في الأردن؟
حتى تستقيم المعادلة، يجب أن نعود إلى معيار بسيط وواضح:
المؤثّر هو من يملك “أثرا” لا من يملك “أرقاما”.
والمقياس العلمي للتأثير هو:
مدى صدقية المحتوى، القيمة التي يقدمها للمجتمع، قدرته على بناء وعي لا هدمه، مستوى احترامه لعقول الناس، قدرته على تغيير سلوك، لا مجرد تحريك إعجاب
بهذا المقياس، قد يكون معلم مدرسة أو طبيب أو خبير اقتصادي "مؤثّرا" حقيقيا… أكثر من صاحب خمسة ملايين متابع يعيش على “الترندات”.
المجتمع الأردني… بين الحاجة إلى صوت عاقل وصوت صادق
الأردنيون اليوم أكثر وعيا وتعبا من الضوضاء الرقمية.
الجمهور يبحث عن محتوى يحترم عقله، عن كلمة مسؤولة، عن تحليل منطقي، عن رأي مبني على معرفة… لا عن تسلية تستغل الملل أو الفضول.
من هنا، يصبح دور المؤسسات، والإعلام المهني، وصنّاع المحتوى الجادين، هو إعادة ضبط معايير التأثير وإعادة الاعتبار للكلمة الرصينة في زمن “المؤثرين السريعين”.
لسنا في زمن انعدام المعايير، بل في زمن إعادة تعريفها. والأردن، كغيره، يمرّ بمرحلة انتقالية رقمية تحتاج إلى: وعي، ومسؤولية، وتمييز بين “المؤثر الحقيقي” و“المتابَع بالخطأ”.
فليس كل مشهور مؤثّر، وليس كل مؤثر مشهور.
والتاريخ الرقمي لا يحفظ إلا من صنع أثرا… لا من جمع مشاهدات











طباعة
  • المشاهدات: 6278
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-11-2025 11:15 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم