حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,24 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3391

القهيوي يكتب: الشباب الأردني بين خطاب يصنع الغد وواقع يقيده .. من يكسر الحلقة؟

القهيوي يكتب: الشباب الأردني بين خطاب يصنع الغد وواقع يقيده .. من يكسر الحلقة؟

 القهيوي يكتب: الشباب الأردني بين خطاب يصنع الغد وواقع يقيده ..  من يكسر الحلقة؟

24-11-2025 09:08 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. ليث عبدالله القهيوي
“الشباب الأردني يصنع الغد” ليست عبارة تزيينية تُرفع في المناسبات، بل سؤال وجودي يتجاوز الخطابة إلى جوهر المشروع الوطني، فالغد ليس قدراً يُنتظر، بل صناعة تحتاج أدوات، ومعرفة، ومسار واضح يربط بين التعليم والعمل وريادة الأعمال. هنا يصبح الشباب ليسوا عنواناً للاستهلاك السياسي، بل حجر الأساس في إعادة تعريف دور الدولة والمجتمع والاقتصاد في عالم سريع التغيّر.


نحن بلد فتيّ ديموغرافياً، لكن المفارقة أن نسبة واسعة من شبابه تقف خارج دورة الإنتاج. مئات الآلاف عبروا مراحل التعليم بحثاً عن مستقبل أفضل، ثم اكتشفوا أن الشهادة وحدها لم تعد مفتاحاً لسوق العمل. فما تزال مدارس وجامعات كثيرة تعمل بعقلية الامتحان، وتكديس المعلومة، وتقليد الإجابات، والتعليم التلقيني وليس التفاعلي، بينما العالم يقيس قيمة الإنسان بقدرته على التفكير النقدي، والعمل التعاوني، وصناعة الحلول، والتعلم المستمر، والمهارات الرقمية والريادية.
ورغم أن الخطاب الرسمي يمجد الشباب بوصفهم “قوة التحديث” و“ثروة الوطن”، إلا أن السياسات التطبيقية غالباً ما تعاملهم كمستفيدين لا كصناع قرار. حتى ريادة الأعمال التي أصبحت لازمة في الخطابات الوطنية، ما تزال في كثير من الأحيان نشاطاً موسمياً أو صورة إعلامية، لا منظومة مكتملة التشريعات والتمويل والسوق. هذا التباين بين ما يقال وما يُنفذ يراكم لدى الشباب شعوراً بالإقصاء المؤسسي، وكأن عليهم صناعة الغد بأدوات الأمس.
المشكلة أعمق من ارتفاع البطالة أو محدودية الفرص؛ إنها انقطاع في السلسلة التي يفترض أن تنقل الشاب من مقاعد الدراسة إلى موقع الإنتاج والتأثير. في المدرسة، ما يزال الطالب يتعلم كيف يجيب عن الأسئلة، لا كيف يبتكرها. في الجامعة، يواجه خططاً دراسية مغلقة، وتخصصات مشبعة، وتدريباً عملياً محدوداً. وبعد التخرج، يجد نفسه أمام مفترق طرق صعب: بطالة طويلة، أو وظيفة مؤقتة ومنخفضة الأجر، أو هجرة بحثاً عن أفق أرحب. في المقابل، تبقى مؤسسات ريادة الأعمال من حاضنات ومسرعات وصناديق تمويل متعددة في فضاء منفصل عن التعليم، لا يصل إليه إلا من يمتلك المعرفة والعلاقات.
صناعة الغد تبدأ بإعادة بناء هذا المسار من جذوره. المدرسة يجب أن تتحول إلى مساحة للبحث والتجريب وحل المشكلات، لا صفاً صامتاً للحفظ. مشاريع الطلبة يمكن أن تنطلق من احتياجات مجتمعاتهم: تطبيق رقمي، مبادرة بيئية، خدمة اجتماعية، على أن تكون متصلة بهياكل دعم خارج أسوار المدرسة. وفي الجامعة، ينبغي أن يصبح التدريب التعاوني، والانخراط في الشركات الناشئة، والعمل ضمن فرق إنتاجية جزءاً إلزامياً من متطلبات التخرج، لا خياراً جانبياً.
أمّا في المستوى الاقتصادي والسياسي الأشمل، فنحن بحاجة إلى سياسة وطنية تنظر للشباب بوصفهم استثماراً طويل الأمد، لا بنداً في موازنات برامجية عابرة. تبسيط إجراءات تأسيس الأعمال، تخفيض كلفتها، ربط الحوافز الضريبية بعدد الوظائف التي يخلقها الشباب، وتخصيص نسبة من المشتريات الحكومية لحلول مبتكرة تقدّمها شركات ناشئة هذه خطوات قادرة على تحويل الريادة من شعار إلى واقع. وفي المحافظات تحديداً، يمكن للجامعات والكليات أن تصبح منصات ريادة محلية تحتضن المواهب، وتوفّر مساحات عمل وتمويلاً أولياً وإرشاداً متخصصاً، بحيث لا يبقى المستقبل حكراً على جغرافيا واحدة.
السؤال الحقيقي ليس: هل يملك الشباب القدرة على صناعة الغد؟ بل: هل نملك نحن الشجاعة لمنحهم الطريق إليه؟ هل نجرؤ على تحويل التعليم إلى مصنع مهارات، والسياسة إلى شراكة، والاقتصاد إلى بيئة تنافسية عادلة؟ هل نؤمن أن المستقبل لا يُكتب من المكاتب المغلقة، بل من طاقات شابة تبحث عن فرصة لتثبت ذاتها؟
إذا حدث ذلك، ستتغير العبارة من شعار إلى حقيقة، ومن أمنية إلى مشروع. سيصبح الغد الأردني نتيجة قرار واعٍ، لا مجرد امتداد تقليدي للماضي. عندها فقط يمكن القول بثقة: نعم، الشباب الأردني لا ينتظر الغد.. بل يصنعه.








طباعة
  • المشاهدات: 3391
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
24-11-2025 09:08 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم