24-11-2025 08:26 AM
بقلم : الدكتورة فاطمة العقاربة
الحراك في جوهره حق دستوري ومظهر من مظاهر التعبير الشعبي، لكنه حين يتحوّل إلى حراك عبثي يستهدف الدولة والدستور ويضرب عمق الهوية الوطنية الأردنية، يصبح خطراً على الوطن لا رافعة له. العبثية هنا ليست في المطالبة أو النقد، بل في تجاوز المسار الوطني الثابت إلى مسارات شخصية أو جهوية أو حتى خارجية، تُعرّي الحراك من قيمته الإصلاحية وتجعله أداة إضعاف لا بناء.
ملامح الحراك العبثي
تشكيك بالمؤسسات: تقديم البرلمان أو القضاء أو الحكومة كأدوات قمع، متجاهلين أن الدستور نفسه (المادة 24) ينص على أن الأمة مصدر السلطات، وأن هذه المؤسسات هي نتاج الإرادة الوطنية.
إثارة الانقسامات: بعث الروح القومية والعصبية والانتماءات لجماعات خارجية في مواجهة الهوية الوطنية الأردنية التاريخية، وتغليب مصالح أحزاب وجماعات وتيارات برؤى غير وطنية.
ادعاء الوصاية على الإصلاح: تصوير الذات كبديل عن الدولة، متجاهلين أن الإصلاح لا يمكن أن يُفرَض خارج الإطار الدستوري الذي هو عقد الأمة.
الاستقواء بالخارج: تمرير رسائل للمنظمات الدولية أو السفارات وكأنها مرجعية الحكم، متجاهلين أن الدستور (المادة 1) يقرّ بسيادة المملكة وعدم جواز التنازل عن أي شبر من أرضها أو قرارها.
شواهد تاريخية
احتجاجات 2011: انطلقت بمطالب مشروعة مرتبطة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، لكن سرعان ما ظهرت أصوات حاولت تحويلها إلى صدام مباشر مع النظام والدستور، فبرزت لغة إسقاط الشرعيات لا تصويب المسارات.
أزمة نقابة المعلمين 2019 – 2020: بدأت بمطالب مهنية قابلة للنقاش، لكن بعض القيادات استغلتها لتصفية حسابات سياسية وتوجيه الحراك نحو الصدام مع الدولة، في محاولة لفرض "شرعية موازية".
الموجات المتقطعة من الحراك الشبابي: شهدت السنوات الأخيرة بروز مجموعات شبابية بلا قيادة واضحة، لكن تسلل إلى بعضها خطاب التشكيك والتقويض، ما أفقدها التعاطف الشعبي وحوّلها إلى حالة صوتية لا مشروع إصلاحي.
الدستور كعقد للأمة
الدستور الأردني وضع خطاً فاصلاً بين الإصلاح المشروع والفوضى الممنهجة:
المادة 1: المملكة الأردنية الهاشمية دولة عربية مستقلة ذات سيادة، ملكها لا يتجزأ ولا يُنزل عن شيء منه.
المادة 2: الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية.
المادة 6: الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات.
المادة 24: الأمة مصدر السلطات.
المادة 128: لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
هذه المواد ليست حبراً على ورق، بل هي ضمانة وطنية لأي حراك شرعي، وتحصين ضد أي عبث يحاول تجاوز المسار الوطني الثابت.
دور الحكومة الحالية
الحكومة الحالية، الملتزمة بكتاب التكليف السامي، تسير بخطى واضحة نحو إصلاحات شاملة في جميع المجالات: سياسية واقتصادية وإدارية. هذه الإصلاحات ليست مجرد وعود، بل هي ترجمة عملية لرؤية ملكية واضحة تعطي الأولوية لتمكين الشباب، وتوسيع قاعدة المشاركة، وتحفيز الاقتصاد الوطني. وفي هذا السياق، يصبح الاستقرار السياسي هو الضامن الأول للتنمية، فلا استثمار ولا نهضة بلا بيئة مستقرة ومحصنة من العبثية والشغب.
مكاشفة لا بد منها
الحراك العبثي في الأردن لا يمثل الناس، بل يمثل طموحات ضيقة وأجندات مشوشة تحاول القفز على الدستور واختطاف الهوية الوطنية الأردنية. الإصلاح الحقيقي يمر عبر المؤسسات، ويستمد شرعيته من الدستور لا من الشارع فقط. أما العبثية، فهي الوجه الآخر للتفتيت، والمضي فيها ليس سوى خدمة لأعداء الداخل والخارج.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
24-11-2025 08:26 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||