18-11-2025 03:20 PM
بقلم : خالد ملحم
في استوديوهاتنا، وعلى شاشاتنا، وفي برامجنا الحوارية التي تطرح قضايا مصيرية، تتردد كلمات وتراكيب لغوية تجعل المشاهد في حيرة من أمره: هل يستمع إلى نقاش جاد، أم إلى حديث مائدة عائلية؟
لا يخفى على أحد تلك الظاهرة اللغوية التي طفت على سطح خطابنا الإعلامي، من "راح نحكي" بدلاً من "سنناقش"، إلى "مفردتان" بدلاً من "محوران" أو "قضيتان". والعجيب – بل الأغرب – أن كبريات المؤسسات الإعلامية والصحف العريقة تتبنى هذه التراكيب الركيكة، وكأنها تستسلم لموجة التدهور اللغوي بدلاً أن تكون صمام الأمان للحفاظ على اللغة.
لماذا يجب أن نقف عند هذه الظاهرة؟
اللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي وعاء الفكر وإطار التفكير. عندما تتهاون وسيلة إعلامية في التعبير، فإنها – عن قصد أو غير قصد – تتهاون في المضمون. فكيف نطالب بمحتوى فكري رصين، ونحن نعجز عن انتقاء الكلمات الرصينة؟
إن الثقة بالمحتوى الإعلامي تبدأ من الثقة بلغته. فإذا أخطأ المذيع في أبسط قواعد اللغة، فكيف نثق بصحة المعلومات المعقدة التي يقدمها؟ وكيف نقبل أن يحاور مسؤولاً حول السياسة النقدية بلغة تفتقر إلى الدقة والمتانة؟
من المسؤول؟
المسؤولية جماعية: إدارات المؤسسات الإعلامية التي تهمل التدقيق اللغوي، والمذيعون والمراسلون الذين يستسهلون العامية والدخيل، وجمهور المتلقين الذي اعتاد على هذا المستوى فلم يعد يستنكره.
من يقرع الجرس بوضع رؤية إصلاحية للحل بدلاً من النقد و التوصيف الخجول.
إن الوقوف عند حدود التشكي لا يجدي، لذا نقترح خارطة طريق عملية للإصلاح:
تبدأ من التدريب المستمر:
بعقد ورش عمل دورية للإعلاميين حول الأخطاء الشائعة و بدائلها الفصيحة، مع التركيز على "لغة الحوار" التي تختلف عن لغة الخبر.
يسبقها دليل أسلوب لغوي:
حيث تضع كل مؤسسة إعلامية دليلاً داخلياً يحدد التراكيب الممنوعة والبدائل الموصى بها، على أن يكون التزام العاملين به جزءاً من تقييم أدائهم.
نعيد المدقق اللغوي الحاضر الغائب:
استعادة دور المدقق اللغوي في غرف الأخبار والبرامج، ليس كناقد بعد الوقوع في الخطأ، بل كشريك في بناء المحتوى منذ التخطيط له.
لما لا تستمر حملات التوعية الداخلية:
تنظيم مسابقات لأفضل مذيع من حيث اللغة، وأجمل تقرير من حيث الأسلوب، لتحفيز روح المنافسة الإيجابية على الجودة اللغوية.
نستدعي القدوة الحسنة:
على كبار الإعلاميين و المحاورين المعروفين أن يلتزموا باللغة السليمة، فهم النموذج الذي يحتذى به.
في الختام
إن تحديث الخطاب الإعلامي لا يعني التخلي عن أصالة اللغة، والوصول إلى الجمهور لا يتطلب النزول إلى مستوى اللغة الدارجة. بل يجب أن نكون معاصرين في أفكارنا، أصيلين في لغتنا.
إنها دعوة لنتذكر أن الإعلام ليس ناقلاً للأخبار فحسب، بل هو أيضاً صانع للذوق العام، ومشكل للوعي الجمعي. فلنكن عند مستوى هذه المسؤولية،
ولنرفع شعار:
"إعلام بفكر راق، ولغة أرقى."
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
18-11-2025 03:20 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||