حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,18 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5307

سلامة الدرعاوي بين التحليل الاقتصادي والتنمّر المُعلن

سلامة الدرعاوي بين التحليل الاقتصادي والتنمّر المُعلن

سلامة الدرعاوي بين التحليل الاقتصادي والتنمّر المُعلن

17-11-2025 09:45 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. حسين سالم السرحان
تحوّل الخطاب الذي قدّمه سلامة الدرعاوي في إحدى إطلالاته الإعلامية إلى نموذج واضح على الانزياح عن حدود التحليل الاقتصادي نحو مستوى غير مسبوق من التشنّج الشخصي والتنمّر العلني. فبدل أن يكون النقد موجّهًا نحو السياسات أو الأرقام أو الحرص على الأداء العام، بدا الخطاب وكأنه يسعى لإدانة أفراد وشرائح كاملة من المستثمرين وصنّاع القرار السابقين، مع استثناء لافت لرئيس الحكومة الحالي، وهو ما أثار تساؤلات واسعة حول منطق هذا الخطاب ومعاييره. ولا أعرف أصلًا معنى الحديث عن أن رؤساء الوزارات السابقين لديهم “شللية” ويحابون “فلان وعلنتان”، وهنا أسأل المتحدث: ماذا يعني “علنتان”؟!

كان من المفترض أن يقدّم الدرعاوي قراءة تستند إلى البيانات والوقائع، لكن نبرة صوته الحادّة وتعابير مثل “الدولة أيدها بحلق الجميع” عكست انتقالًا صريحًا من لغة التحليل إلى لغة التنمّر حدّ الإذلال. ومن تقييم الأداء إلى توبيخ المستثمرين، الأمر الذي جعل الخطاب أقرب إلى هجوم شخصي منه إلى رأي اقتصادي. وازدادت حدّة المفارقة عندما ادّعى أنه “لم يسمع عن مستثمر لا يستطيع التواصل مع مسؤول”، وهو تصريح يعكس تعميمًا غير منطقي، ويتجاهل تجارب مئات المستثمرين الذين يشكون علنًا من البيروقراطية وتعقيدات التواصل والإجراءات.

وزاد الأمر التباسًا استشهاده بتجربة المستثمر الملياردير المصري نجيب ساويرس، إذ إن الأخير رفع قضية وكسبها، ما يعني أنه واجه بالفعل مشكلة في استثماراته. وبالتالي، فمثل هذا الاستشهاد — بدل أن ينفي وجود المشكلة — يثبتها، ويُسيء إلى كل من عانى منها، محوِّلًا المتضررين إلى متّهمين.

أما استثناء رئيس الحكومة الحالي من النقد مقابل مهاجمة معظم من سبقه، فقد خلق انطباعًا واضحًا بأن الخطاب ليس تحليلاً اقتصاديًا متوازنًا، بقدر ما هو موقف انتقائي يطبّق معايير مختلفة على أشخاص مختلفين، ما يضعف مصداقية الرسالة ويثير تساؤلات حول دوافعها. ولا بد هنا من التساؤل: هل سيبقى الدرعاوي على رأيه في دولة الرئيس مستقبلًا، أم أن ما قاله مجرد مجاملة عابرة؟

إن الخطورة الحقيقية في هذا النوع من التنمّر الإعلامي لا تكمن في الإساءة إلى أفراد بعينهم فقط، بل في تأثيره السلبي على بيئة الاستثمار وصورة الدولة. فمهاجمة المستثمرين أو تصويرهم كأنهم متقاعسون أو مدلّلون لا يساعد في جذب الاستثمارات ولا في تحسين بيئة الأعمال، بل يخلق مزيدًا من النفور والقلق لدى من يفكّر بدخول السوق. فالمستثمر يبحث عن بيئة مستقرة تتعامل معه باحترام وتقدير، لا خطابًا يتّهمه قبل أن يستمع إليه.

وفي ظل هذه الملاحظات، يبرز سؤال يتردّد على ألسنة الكثيرين: ما المنجز الاقتصادي أو الإصلاحي الذي قدّمه الدرعاوي نفسه ليبرّر هذا الكمّ من اللوم والتقريع؟ فالنقد يكون مؤثرًا عندما يصدر عن صاحب رؤية عملية أو مقترحات واضحة، لكنه يفقد قيمته عندما يتحول إلى سيل من العبارات الحادة التي تكتفي بإدانة الآخرين دون تقديم بديل أو إضافة حقيقية للمشهد الاقتصادي.

والمفارقة أن الدرعاوي نفسه كان قد صرّح سابقًا بأن “شكوى الاستثمار ليست جديدة ولن تنتهي، لكن الجديد أن نشكو اليوم من صعوبة الوضع الاستثماري في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع حلولًا عملية واقعية”. وهذا التصريح يتناقض جذريًا مع خطاب اليوم، ما يعزز الانطباع بوجود انقلاب كامل على ما كان يقوله بالأمس القريب.

إن تصريحات الدرعاوي الأخيرة تمثل حالة نموذجية لِكيف يمكن للخطاب الإعلامي أن يتحول من تحليل إلى تنمّر، ومن نقد موضوعي إلى انفعالات شخصية. وما يحتاجه المشهد الاقتصادي الأردني اليوم ليس مزيدًا من الحدّة، بل قدرًا أكبر من التوازن والإنصاف والقدرة على التمييز بين تقييم السياسات واحترام الأشخاص. فالنقد الهادف لا يعلو بالصوت، بل يرتفع بالفكرة؛ ولا يهاجم الناس، بل يواجه الإخفاقات ويقترح حلولًا. وحين يغيب هذا التوازن، ينحدر الخطاب من دور التنوير إلى دور التشويش، وهذا ما لا يتحمله اقتصاد يسعى إلى استعادة الثقة وجذب المستثمرين.

وأخيرًا، لو كان السيد الدرعاوي في بلد غير الأردن، فهل كان سيملك الشجاعة ذاتها للخروج على شاشة وطنية وإلقاء الحجارة بوجه الوطن ومستثمريه ومَن جاءوا بالخير ليستفيد منه الناس؟ إن المملكة تحتاج إلى من يبني ويعظّم الإنجازات ويقدّم رؤى وأفكارًا جديدة، ويجمع ولا يفرّق. وعلى محطات التلفزة أن تضبط لغة المتحدثين وثقافتهم وطريقة تحليلهم، لترتقي إلى مستوى الدولة الأردنية ومكانتها وهيبتها








طباعة
  • المشاهدات: 5307
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
17-11-2025 09:45 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل يرضخ نتنياهو لضغوط ترامب بشأن إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم