17-11-2025 08:27 AM
بقلم : ماجد الفاعوري
ها هم الأردنيون اليوم يقفون على حافة هاوية لا يشبهها شيء في تاريخهم الحديث هاوية تبتلع الصمت قبل أن تبتلع القدرة على الاحتمال هاوية تكشف أننا مقبلون على سبع عجاف يأكلهن سبع يابسات عجاف لا تشبه التي وردت في سورة يوسف بل عجاف أشد وطأة وأقسى جفافا وأوسع جوعا وأعمق فقرا عجاف لا تترك لأحد عذرا ولا تمنح لأحد فرصة للتهرب من الحقيقة التي نحاول تجاهلها منذ سنوات
المديونية تقترب من حدود الانفجار الأرقام لم تعد أرقاما بل تحولت إلى أطواق تضيق على رقبة المواطن فالدين العام تجاوز 45 مليار دينار أي ما يناهز %118 من الناتج المحلي وتقديرات الخبراء تشير إلى أننا سنقترب من حاجز ال 80 مليار دولار خلال سنوات قليلة إن استمرت وتيرة الاقتراض والإنفاق بلا إصلاح وهذا يعني أن الأردن سيدخل مرحلة لا قدرة له فيها على المناورة ولا مساحة لديه للهروب فالقرارات الخارجية ستصبح أثقل والابتزاز السياسي سيصبح أقسى والضغوط الاقتصادية ستتحول إلى شكل من أشكال الحصار البارد الذي يخنق ولا يقتل لكنه يمنع التنفس
في المقابل يقف الأردني مكشوفا أمام موجة تضرب لقمة عيشه فالبطالة عند حدود الواحد والعشرين بالمئة والفقر يتوسع مثل بقعة زيت تسيل فوق جسد وطن مثقوب والطبقة الوسطى تتبخر كما يتبخر الندى عن صخور وادي عربة أما النمو الاقتصادي فصار يشبه طفلا مريضا لا يقوى على الوقوف ومع ذلك يطلبون منا أن نصبر وأن نحتمل وأن ننتظر معجزة لا تأتي
والأخطر من هذا كله أن هناك تيارا في الداخل لا يكتفي بجلد الدولة ولا بنشر اليأس ولا بفتح أبواب الخراب بل يسعى بكل قوة إلى طرد الاستثمار ومحاصرة البيئة الجاذبة للمشاريع ومحاربة كل من يحاول أن يخلق فرصة حياة جديدة لهذا البلد تيار يتلذذ في عرقلة أي مشروع ويستخدم الضغط والابتزاز والتشويه لإبعاد رؤوس الأموال ولإغلاق الأبواب التي يسافر الملك إليها باباً؛باباً وعاصمة عاصمة كي يفتحها ثم يعود ليجد من يغلقها بساعات
جلالة الملك يتحرك في كل اتجاه يزور العواصم يفاوض القوى الكبرى يواجه ضغوطا اقتصادية وسياسية لا يتحملها بلد صغير بحجمه مثل الأردن كبيرا بمواقفه وثباته ويضع هيبة الدولة في وجه من يظن أنهم قادرون على خنقنا اقتصاديا ومع ذلك يعود ليجد من يحارب ما يبنيه ومن يهدم ما يشيده ومن يمنع المستثمر من دخول بلد يحتاج كل دينار وكل فرصة وكل أمل
وما ينتظر الأردنيين في السنوات القليلة القادمة ليس أزمة عابرة ولا ضائقة مؤقتة بل مرحلة صعبة أشبه بثلج يتراكم على صدر وطن دافئ حتى يفقد حرارته مرحلة ستشهد ارتفاعا في الأسعار وتراجعا في مستوى الدخل وتوسعا في جيوب الفقر وتشددا في شروط القروض وربما إعادة رسم للخريطة الاقتصادية كلها مرحلة ستجعل من كل مواطن مسؤولا عن حماية لقمة عيشه وعن حماية وطنه من الانهيار البطيء الذي يصنعه بعض المرتزقة من داخل الدولة قبل خارجها
السؤال الآن ليس ما الذي سيحدث لنا بل السؤال الأخطر ماذا سنفعل نحن كأردنيين هل سنقف متفرجين نلعن الظلام ونشتم المسؤول وننتظر الفرصة التي لن تأتي أم سنصحو وندرك أن محاربة الاستثمار خيانة صريحة للوطن وأن طرد البيئة الجاذبة جريمة اقتصادية وأن حماية الفاسدين خيانة مضاعفة وأن ترك الوطن وحيدا في معركة اقتصاده هو شكل من أشكال التخلي عن الذات
إن المطلوب اليوم من الأردنيين هو أن يتحولوا إلى سد لا يشق وسيف لا يصد وصوت لا ينكسر المطلوب أن نواجه التيارات التي تدمر اقتصاد البلد وأن ندعم أي مشروع استثماري وطني وأن نقف مع الإصلاح الحقيقي وأن نعيد الاعتبار لقيمة العمل ولأهمية الإنتاج وأن ندرك أن الأردن إذا انكسر اقتصاديا فسينكسر سياسيا وعسكريا وأمنيا وأن المرحلة القادمة لا تعرف الضعفاء ولا ترحم المترددين
الأردن اليوم بحاجة إلى وعي شعبي لا ينام وبحاجة إلى إرادة وطنية لا تباع وبحاجة إلى كتف يحمل مع قيادته عبء السبع العجاف قبل أن تأتينا سبع يابسات جديدة تأكل ما تبقى من لحم هذا الوطن
هذه ليست مرحلة تحليل ولا مرحلة ترف فكري هذه مرحلة نجاة مرحلة فهم أن الأردن إذا لم نحمه بأيدينا فسيتآكل من داخلنا قبل أن يهاجمه من هو خارج حدوده وأننا إذا لم نقف الآن فلن نجد لاحقا مكانا نقف عليه
القادم أصعب نعم لكن الوقوف أصعب على من ينتظر ولا يصنع وعلى من يخاف ولا يتحرك وعلى من يتفرج بينما ينهار تحت قدميه وطن بناه الآباء بدمهم
نصرخ بلا تجميل الأردن يدخل السبع العجاف ولن يخرج منها إلا إذا قرر الأردنيون أن يكونوا السبع السمان بأنفسهم**
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
17-11-2025 08:27 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||