حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الخميس ,13 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5817

الدكتور علي الصلاحين يكتب: سقوط الأمم: قراءة في السنن الإلهية

الدكتور علي الصلاحين يكتب: سقوط الأمم: قراءة في السنن الإلهية

الدكتور علي الصلاحين يكتب: سقوط الأمم: قراءة في السنن الإلهية

12-11-2025 08:36 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : الدكتور علي الصلاحين
في ذاكرة التاريخ أنينٌ خافتٌ لا ينقطع، وصدى أقدامٍ لحضاراتٍ مضت في طريق المجد ثم انطفأت كما تنطفئ الشموع في آخر الليل. وليس في الأمر لغزٌ غامض، فالأمم لا تسقط عبثًا، ولا تنهار صدفة، وإنما تمضي وفق سننٍ إلهيةٍ دقيقة، كخيوطٍ خفيةٍ تنسج مصيرها في صمت، حتى إذا اكتمل النسيج تجلّى القضاء، فطويت صفحة، وبدأت أخرى. تسقط الأمم حين تفقد بوصلتها الأخلاقية، حين يغيب العدل عن الميادين وتُقصى القيم عن القلوب. عندها يتقدّم الطمع على الإيمان، ويعلو صوت المصلحة على صوت الضمير، ويتحول الإنسان من خليفةٍ في الأرض إلى عبدٍ لشهواته. في تلك اللحظة لا تحتاج الأمة إلى عدوٍّ خارجيٍ ليهزمها، فقد هزمت نفسها بنفسها.لقد حدّثنا القرآن عن سنن الله في خلقه بعباراتٍ خالدةٍ تُدوّي في آفاق الزمان: "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدًا." فما من ظلمٍ يستمر إلا وهو يحمل في جوفه بذرة فنائه، وما من أمةٍ تترف وتفسق إلا وقد بدأت أول فصول سقوطها، وإن زُيِّن لها البقاء.والترف، ذلك الداء الناعم، يبدأ في قصور الأغنياء ثم يسري في جسد الأمة كالسُّم البطيء؛ يميت الإرادة، ويُطفئ جذوة العمل، ويجعل من الناس أسرى للراحة والفراغ. وحين تتسع الهوّة بين المترفين والبائسين، يتهدّد كيان المجتمع من داخله، فتغدو الحضارة جدارًا جميلًا يخفي وراءه شقوق الانهيار. ثم تأتي الغفلة، غفلة العلم والوعي، حين تنطفئ العقول وتغيب البصائر، فتفقد الأمة قدرتها على السؤال، وتكتفي بتكرار ما قيل، كأنها تدور في حلقةٍ لا نهاية لها. عندها تبهت الفكرة، ويُستبدل الإبداع بالتقليد، وتصبح الحياة تكرارًا أجوف لما كان. لكنّ للسنن وجهًا آخر، فكما أن لله في الكون سننَ سقوطٍ، له أيضًا سننُ نهوضٍ وبعثٍ جديد. فإذا صدق العزم، وأُقيم العدل، وأُحييت القيم في النفوس، عادت للأمة روحها، واستعادت مكانها في مسيرة التاريخ. قال تعالى: "إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم."إن قراءة سنن الله في سقوط الأمم ليست تأملًا في الماضي فحسب، بل هي مرآةٌ نرى فيها حاضرنا ومآلنا. فالأمم لا تموت حين تُهزم، بل حين تفقد المعنى، وحين تنسى رسالتها في إعمار الأرض بالحق والخير. فلنصغِ إلى صوت التاريخ، فهو لا يروي حكاية غيرنا، بل يهمس في آذاننا: “من غفل عن سنن الله، كتب نهايته بيده.”











طباعة
  • المشاهدات: 5817
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
12-11-2025 08:36 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنتقل المعارك والمواجهات إلى الضفة الغربية بعد توقف الحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم