10-11-2025 09:56 AM
بقلم : نضال أنور المجالي
في عصر السرعة الرقمية، حيث يُقاس النجاح بعدد النقرات والـ "إعجابات، بات العنوان هو العملة الأكثر تداولاً، والمفتاح السحري -أو ربما الفخ- الذي يقرر مصير أي محتوى. لكن، ما هو الثمن الذي يدفعه القارئ، والكاتب، والمصداقية الإعلامية، حين يتحول العنوان من بوصلة إرشاد إلى شرك للإثارة الرخيصة؟
نحن اليوم أمام ظاهرة باتت منتشرة حدّ الإزعاج: عنوانٌ يزرع الفتنة، ومحتوى ينشد الحقيقة.
أزمة "عناوين الفتنة"
إن استخدام عنوان صادم أو مستفز أو مُجتزأ من سياقه الأصلي، بهدف وحيد هو "جمع النقرات" لم يعد مجرد حيلة تسويقية، بل أصبح سلوكاً يخدش الأمانة المهنية ويُسيء إلى وعي القارئ.
هل الهدف من ذلك هو زيادة التفاعل وجعل القارئ "يهتم بالموضوع"؟ جزئياً ربما، ولكن الدافع الأكبر، الذي لا يمكن إغفاله، هو تحقيق الانتشار السريع والأرباح المادية القائمة على عدد المشاهدات، حتى لو كان ذلك على حساب دقة المعلومة وسلامة الفهم. العنوان هنا يُصمم ليكون "برومو" مُفتعلاً لا يعكس جوهر الفيلم.
المثال الصارخ: تضليلٌ دستوري ببرومو مُجتزأ
إن الحالة التي أثارها الجدل حول تصريحات رئيس الوزراء الأردني السابق، الدكتور بشر الخصاونة، تُعد مثالاً نموذجياً وخطراً على هذا السلوك الإعلامي غير المسؤول.
لقد قامت إحدى المنصات بنشر برومو ترويجي ركَّز حصراً على السؤال: "مين أقوى، مدير المخابرات ولا رئيس الوزراء؟"، مما أثار موجة من الجدل، والتفسيرات الخاطئة، والتشكيك في سياق الحديث. هذا العنوان والبرومو المجتزأ، في حقيقته، زرع بذور فتنة وسوء فهم حول العلاقة بين مؤسسات الدولة والدستور في الأردن.
لكن، حين بُثَّت المقابلة الكاملة، اتضح أن الحديث برمّته كان توصيفاً دستورياً واضحاً ومباشراً يؤكد أن النظام الأردني نظام دستوري، وأن رئيس الوزراء هو السلطة التنفيذية الأقوى بعد الملك وفقاً للدستور والقانون، وأن مدير المخابرات، بموقعه الوظيفي، يتبع لرئيس الوزراء. أي أن المحتوى الفعلي كان يهدف إلى توضيح وحماية السياق الدستوري للدولة، بينما العنوان المُجتزأ كان يهدف إلى الإثارة والصدام.
المسؤولية المهنية أولاً
هذا التناقض بين العنوان والمحتوى يضعنا أمام سؤال أخلاقي ومهني:
هل يمكن تبرير الإثارة لزيادة الاهتمام؟ نعم، قد يكون العنوان الجاذب ضرورة، لكن بشرط أن يكون أميناً وصادقاً في تمثيل المحتوى. أما إذا كان النقيض، فهو تضليل صريح.
أين تذهب الأمانة الإعلامية؟ إن الناقل الذي يستخدم الإثارة الخادعة، أو يشارك في نشر برومو مجتزأ لا يعكس الحقيقة، يشارك في نشر معلومة مغلوطة، ويساهم في تشويش الرأي العام، وهو ما وصفه الدكتور الخصاونة بأنه "تصرّفٌ غير مهني".
إن المصلحة الحقيقية للقارئ تكمن في المعرفة الدقيقة والواضحة، وليس في الاستهلاك السريع للمعلومة المُبهرة والمُضللة. الإعلام الذي يبني مجده على "عناوين الفتنة" يرتكب خيانة مزدوجة: خيانة لحقيقة الموضوع، وخيانة لذكاء القارئ.
رسالة إلى صُنَّاع المحتوى: ليكن العنوانُ جسراً أميناً إلى الفكرة، لا فخاً منصوباً لجذب النقرات. فالمصداقية هي رأسمال الإعلامي الحقيقي، وهي القيمة التي تبقى حتى بعد زوال ضجيج الـ "إعجابات
حفظ الله الاردن والهاشمين
الكاتب نضال انور المجالي
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
10-11-2025 09:56 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||