حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,8 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3258

الدكتور محمود الحبيس يكتب: التنمّر والتحوّل الإجتماعي: الأردن بين القيم والتحدّيات

الدكتور محمود الحبيس يكتب: التنمّر والتحوّل الإجتماعي: الأردن بين القيم والتحدّيات

 الدكتور محمود الحبيس يكتب: التنمّر والتحوّل الإجتماعي: الأردن بين القيم والتحدّيات

08-11-2025 12:49 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. محمود الحبيس
قبل أن تغزو التكنولوجيا تفاصيل حياتنا، كان مجتمعنا الأردني مثالًا للتسامح والترابط.
الكبار يعلّمون الصغار، والصغار يحترمون الكبار.
الجيران يتقاسمون اللقمة قبل الكلمة، والأصدقاء يقفون جنبًا إلى جنب في الأفراح والأحزان.
كانت القيم ميزانًا، والحياء زينة، والإحترام أساس العلاقات الإنسانية.
لكن اليوم تغيّر كل شيء.
منصّات التواصل تحولت إلى ساحات للشتائم والسخرية، والمدارس أحيانًا أصبحت مسارح إذلال بدل التربية.
موظفون يواجهون الإقصاء، ومسؤولون يرفعون شأنهم بتحطيم من حولهم، وكأن الكلمة الجارحة أصبحت سلاحًا مشروعًا.
لقد غاب عن البعض أن الكلام اللين يطّيب الخواطر، والقسوة تثير الغضب، وأن الله يبغض الفاحش البذيء.
هل نسينا قوله تعالى:
> "يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرًا منهم..."
ونسينا أن الله وصف المؤمنين بأنهم:
"الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس..."
فكيف نقبل أن يصبح الازدراء سلوكًا مألوفًا؟!
وكيف نسمح لأنفسنا أن نكسر خواطر الآخرين؟!
كاسر الخواطر لا يؤتمن، وإنه ليهدم ما تبنيه المجتمعات من ثقة وإنسانية.
لقد انتبهت كثير من دول العالم إلى خطر هذه الآفة.
في ألمانيا؛ الاحترام جزء من الحياة اليومية.
في فرنسا، القانون فوق الجميع.
في اليابان، يُربّى الأطفالُ على ضبط النفس، والتهذيب منذ الصغر.
وفي الصين، يُعدّ الانضباطُ والفضيلةُ من ركائز طلب العلم.
أما في السعودية؛ فقد أحسنت حين وضعت تشريعات واضحة لمواجهة ظاهرة التنمّر داخل مدارسها، لتكون أنموذجًا في البيئة العربية.
أما نحن في الأردن، فما زلنا مجتمعًا متماسكًا، نقف مع أهلنا في الضفة وغزة، ونحمل الخير في قلوبنا.
لكن في الظل، هناك ممارسات تنذر بخطر صامت:
طالب يسيء إلى معلمه باسم الحريّة،
مدير يهمّش المخلص ويكافئ المتقاعس،
ومسؤول يحطّم معنويات موظفيه ليثبت ذاته.
هذه ليست حالات عابرة، إنها مؤشر على خلل إجتماعي عميق.
لقد أدّت التقنيات الحديثة إلى تفاقم سلوكيات التنمّر، فصار البعض يختبئ خلف الشاشات ليؤذي بالكلمة، دون وازع من ضمير أو خوف من رقيب.
إننا بحاجة إلى وعي وتشريع يفوق حجم الخطر.
لقد سنّت أمريكا وبريطانيا وأستراليا واليابان قوانين خاصة للحد من التنمّر، إدراكًا منهم أن الكلمة قد تقتل كما يفعل السلاح.
وفي الأردن، نحتاج إلى تشريع موحّد وشامل يتعامل مع الظاهرة بوضوح، فلا نكتفي بقانون الجرائم الإلكترونية أو حماية الطفولة.
نحتاج إلى قانون يحدّد السلوكيات المؤذية، ويضع عقوبات مغلّظة مالية ومعنوية تردع من يتجاوز حدود الأخلاق.
كما نجحت عقوبات السير في ردع الفوضى على الطرق، يمكن لعقوبات التنمّر أن تعيد الانضباط إلى السلوك العام.
ولأن ظاهرة التنمّر تتوزع بين مؤسسات متعدّدة — تعليمية، اجتماعية، وإعلامية — فإن تناثر المسؤوليات يجعل التعامل مع الظاهرة ضعيفًا وغير فاعل.
الحل يكمن في توحيد المرجعية ووضع منظومة قانونية وتربوية مشتركة، تُعنى بالوقاية قبل العقوبة، وبالإصلاح قبل الإدانة.

كما قالت الملكة في ألمانيا: "العدالة والإحترام يبدأان من الأعلى."
والأردن قادر على أن يبقى وفيًّا لقيمه الأصيلة، إذ جعل من العدالة قدوة، ومن الأخلاق نهجًا، ومن الكرامة الإنسانية خطًا أحمر لا يُمسّ.

فلنرفض التنمّر بكل أشكاله،
ونطالب بالشفافية والمساءلة،
ولنُعدّ للأخلاق مكانها في حياتنا اليومية.

فلنجعل من الأردن نموذجًا يُحتذى به،
بلدًا يعلو فيه صوت القيم على ضجيج الأذى،
ويُكرَّم فيه الإنسان بفعله لا بسلطته.

قبل أن تتحوّل التفاحة الفاسدة إلى صندوق بلا أمل،
فلنقف جميعًا… ضد التنمّر، وضد الصمت عليه.
فالقيم لا تحمي نفسها — نحن من نحميها ونتستر عليها بمحض إرادتنا.











طباعة
  • المشاهدات: 3258
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
08-11-2025 12:49 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنتقل المعارك والمواجهات إلى الضفة الغربية بعد توقف الحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم