حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
السبت ,8 نوفمبر, 2025 م
  • الصفحة الرئيسية
  • كُتاب سرايا
  • السليمي يكتب: التجربة الحزبية الأردنية .. بين وعي الدولة وارتباك النخب السياسية .. كيف نُنقذ هذه التجربة من الموتٍ البطيء؟
طباعة
  • المشاهدات: 2978

السليمي يكتب: التجربة الحزبية الأردنية .. بين وعي الدولة وارتباك النخب السياسية .. كيف نُنقذ هذه التجربة من الموتٍ البطيء؟

السليمي يكتب: التجربة الحزبية الأردنية .. بين وعي الدولة وارتباك النخب السياسية .. كيف نُنقذ هذه التجربة من الموتٍ البطيء؟

السليمي يكتب: التجربة الحزبية الأردنية ..  بين وعي الدولة وارتباك النخب السياسية ..  كيف نُنقذ هذه التجربة من الموتٍ البطيء؟

05-11-2025 09:04 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. خالد السليمي

جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مشروع التحديث السياسي في الأردن ... وعي الدولة وصمت الشارع
منذ أن أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين مشروع التحديث السياسي في الأردن، ووجّه الحكومة ومجلس الأمة لتهيئة البيئة الداعمة للحياة الحزبية، كان الأمل كبيراً بأن تبدأ المملكة صفحة جديدة في بناء الديمقراطية المؤسسية، خطاب العرش السامي الأخير حمل نَفَساً واضحاً يدعو إلى تفعيل دور الأحزاب كركيزة أساسية في إدارة الدولة الحديثة، وإشراك الشباب والنساء في الحياة السياسية، غير أن المشهد الواقعي اليوم يوحي بتناقضٍ حادٍّ بين وعي الدولة وإصرارها على ترسيخ العمل الحزبي، وبين ارتباك النخب السياسية التي لم تستطع أن تقدم نموذجاً مقنعاً يترجم هذا الوعي إلى فعلٍ وطني ملموس.

مشروع الدولة: الرؤية الملكية الواضحة
الدولة الأردنية لم تكن يوماً بعيدة عن الرؤية الإصلاحية، فالمبادرات الملكية، من تحديث المنظومة السياسية إلى الإصلاح الإداري والاقتصادي، جاءت لتصنع توازناً بين الدولة العصرية والهوية الوطنية، خطاب العرش السامي الأخير أعاد التأكيد على أن الحياة الحزبية ليست ترفاً سياسياً، بل خياراً استراتيجياً لا يمكن التراجع عنه، هذه الإرادة السياسية الواضحة من القمة، هي بمثابة "النداء الأعلى" لكل مؤسسات الدولة لتفعيل المشاركة الشعبية، وتوسيع قاعدة القرار، وإعادة الثقة بين المواطن والنظام السياسي.

ارتباك النخب السياسية وضبابية الرؤية
تُعاني النخب السياسية – القديمة والجديدة – من ارتباكٍ واضح في فهم دور الأحزاب الحقيقي، البعض ما زال يتعامل مع الحزب كإطار شكلي أو كارت بلانش انتخابي، دون أن يدرك أن العمل الحزبي يتطلب فكراً وبرنامجاً وانغماساً في قضايا الناس، غابت الكاريزما الوطنية الجامعة، وحلّ محلها التنافس الضيق والمصالح الشخصية، هذا الارتباك انعكس سلباً على الشارع الذي فقد الثقة في جدوى الانخراط الحزبي، فبات يرى في الأحزاب وجوهاً مكررة لا تحمل مشروعاً وطنياً جديداً.

أسماء كثيرة… إنجازات قليلة
تشكلت أكثر من ٤٠ حزباً بعد إقرار قانون الأحزاب الجديد عام ٢٠٢٢، وكان الحلم أن نرى منها تيارات وطنية قادرة على تحريك المياه الراكدة في الحياة السياسية، غير أن معظم هذه الأحزاب بقيت عناوين بلا محتوى، وواجهت تحديات التمويل، والانقسامات الداخلية، وضعف التواصل الجماهيري، الأحزاب الكبرى مثل التحالف المدني، تقدم، النهضة، والميثاق الوطني حاولت تقديم رؤى اقتصادية وسياسية، لكنها لم تنجح بعد في كسر الحاجز النفسي بين الحزب والمواطن، لقد بقيت العلاقة فاترة، يطغى عليها الحذر وانعدام الثقة، ومعظمها لم يقدّم حتى الآن برامج ملموسة أو مخرجات تقنع الشارع، فالمؤتمرات الصحفية والاستعراضات الإعلامية لا تُبني دولاً، ولا تُقنع شباباً يبحث عن عمل، أو أسرة تبحث عن عدالة اقتصادية، لهذا، بات المواطن يتساءل: ما الذي تغيّر فعلاً بعد كل هذا الزخم الحزبي؟

إخفاقات التجربة وخيبات الأمل بعد الانتخابات وأسباب التراجع
تجربة الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة كانت اختباراً واقعياً، لكنها أظهرت ضعف الحضور الحزبي وتراجع الثقة الشعبية، فالأحزاب لم تتمكن من تقديم مرشحين مقنعين، ولم تُحسن قراءة المزاج العام، بل اكتفت بالشعارات، ومع ذلك، فإن النتائج لم تكن مجرد خيبة سياسية، بل درس يجب أن يُفهم جيداً: لا حزب دون قاعدة، ولا تمثيل دون مصداقية، ولا مشروع وطني يُبنى على التسويات والمصالح الضيقة، مما يجعل الشاب الأردني يفضل الصمت على الانتماء، النتيجة كانت واضحة: عزوف شعبي متزايد، ومخرجات انتخابية لا تعبّر عن التنوع السياسي الحقيقي الذي أراده الملك.

ارتباك النخب السياسية... عقدة الماضي
كثير من النخب السياسية التي ورثت المناصب أو الزعامة ما زالت تنظر إلى العمل الحزبي كتهديد لمصالحها لا كضمانة لمستقبل الوطن، هذه الذهنية التقليدية تُعيق التطور وتُفرغ المشروع الحزبي من مضمونه، الدولة وعَت مبكراً أن الإصلاح لا يتم بتغيير القوانين فقط، بل بتغيير العقليات أيضاً، لكن النخب ما زالت تتردد بين خطابين: واحد يعلن الولاء للديمقراطية، وآخر يخشى من نتائجها.

الإعلام الحزبي المفقود
لا يمكن الحديث عن حياة حزبية دون إعلام حزبي قوي ومسؤول، الإعلام هو من يصنع الثقة، ومن يشرح البرامج، ومن يفتح النقاش العام حول السياسات، لكن معظم الأحزاب فشلت في بناء ذراع إعلامي مؤثر، وتركت الساحة لمنصات التواصل الاجتماعي لتشكّل وعياً مشوشاً، المطلوب اليوم إعلام وطني يعيد الاعتبار للفكر، وينقل الحوار من الشعارات إلى الحلول، ومن الانتقاد إلى البناء.

بعد الانتخابات... أين اختفت الأحزاب؟
بعد الانتخابات النيابية والبلدية، اختفى بريق الأحزاب، غابت عن المشهد الإعلامي والسياسي، وكأنها كانت مجرد تحضيرات موسمية لمرحلة انتخابية لا أكثر، معظمها لم يفعّل مكاتبه الميدانية، ولم يقدّم مبادرات مجتمعية، غاب عنها الصوت البرامجي، والحضور الرقمي، والتواصل مع الشارع، المواطن الأردني بدأ يتساءل: أين ذهبت تلك الأحزاب التي وعدت بالإصلاح والتغيير؟ هذا السؤال يجب أن يكون جرس إنذار قبل أن تتحول التجربة إلى موتٍ بطيءٍ للديمقراطية الحزبية.

إقناع الشارع من جديد
الشارع الأردني لا يحتاج إلى خطابات جديدة، بل إلى سلوكٍ جديدٍ من الأحزاب والحكومة معاً، المطلوب اليوم خطة وطنية لإعادة بناء الثقة عبر مبادرات عملية: حوارات ميدانية في المحافظات، برامج شبابية واقعية، تبنّي قضايا المعيشة والبطالة والتعليم، والوجود في الفضاء الرقمي بفعالية، يجب أن يشعر المواطن أن الحزب ليس نادياً للنخب، بل منصةً للتغيير والعدالة والكرامة، عندها فقط سيقتنع الناس أن المشاركة الحزبية هي الطريق للإصلاح الحقيقي لا مجرد واجبٍ سياسي.

الشباب... وقود الحياة الحزبية
الشباب هم حجر الزاوية في المشروع الملكي، لكنهم حتى الآن يشعرون أن الأحزاب لا تمثلهم، الدولة فتحت الأبواب، لكن النخب لم تُحسن الدخول، المطلوب منح الشباب الثقة والمساحة، وتمكينهم في المراتب القيادية داخل الأحزاب، وتدريبهم على صناعة القرار لا تنفيذ الأوامر، فحين يرى الشاب أن صوته يُحدث فرقاً، وأن فكرته تجد طريقها إلى التشريع والسياسات، عندها فقط ستولد حياة حزبية حقيقية تتناغم مع وعي الدولة لا ارتباك النخب.

نحو إنقاذ التجربة من الموت البطيء
الإنقاذ يبدأ من المصارحة، ومن الاعتراف أن التجربة الحزبية في الأردن تمرّ بمفترق طرق حرج، الدولة جاهزة، والقيادة واضحة الرؤية، لكن الخلل في الأدوات والفاعلين، المطلوب اليوم إعادة هيكلة الأحزاب وفق معايير وطنية صارمة، ودمج المتقاربة منها، وتوجيه الدعم إلى البرامج لا الأشخاص، وإحياء دور الإعلام في بناء الثقة الشعبية، وحده العمل الميداني، والانفتاح على الناس، يمكن أن ينقذ هذه التجربة من التآكل والانطفاء.

في الختام فإن التجربة الحزبية الأردنية ليست مشروعاً سياسياً عابراً، بل هي معركة وعي وطنية لبناء دولة المشاركة لا دولة المشاهدة، الملك وضع البوصلة، والشعب مستعد للسير، لكن النخب مطالبة بأن تراجع نفسها بجرأة وتواضع، لا إصلاح بلا ثقة، ولا ثقة بلا فعل، آن الأوان لأن نُخرج الحياة الحزبية من غرفة الإنعاش إلى ميادين الفعل الوطني، وأن نعيد الاعتبار للمواطنة الفاعلة لا المراقبة، فالأردن يستحق حياة سياسية تليق بتاريخه وشعبه وقيادته.

توصيات استراتيجية لأصحاب القرار:
1. إطلاق خطة وطنية للحياة الحزبية بإشراف مباشر من رئاسة الوزراء لتفعيل مشاركة الشباب والمرأة في العمل الحزبي.
2. دمج بعض الأحزاب الصغيرة ذات البرامج المتشابهة لتقوية حضورها السياسي والبرلماني.
3. تفعيل الدعم المالي المشروط بالأداء والنتائج وليس بعدد المؤتمرات أو التصريحات.
4. إطلاق برامج تدريبية حزبية بالشراكة مع الجامعات ومؤسسات المجتمع المدني لتأهيل القيادات الشابة.
5. تطوير إعلام حزبي وطني قادر على بناء الثقة مع الجمهور ونشر ثقافة المشاركة السياسية.
6. إعادة النظر في قانون الانتخاب لتعزيز التمثيل الحزبي الحقيقي داخل البرلمان.
7. تفعيل مبدأ المساءلة والشفافية في تمويل الأحزاب وممارساتها الداخلية.
8. الاستمرار في دعم الرؤية الملكية باعتبارها الأساس المتين لبناء مشروع ديمقراطي وطني متكامل.











طباعة
  • المشاهدات: 2978
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
05-11-2025 09:04 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك، هل تنتقل المعارك والمواجهات إلى الضفة الغربية بعد توقف الحرب بين "إسرائيل" وحماس في غزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم