03-11-2025 11:41 AM
بقلم : د. بسام ابوخضير
الأردن ليس مجرد وطن على خارطة الجغرافيا، بل هو سجلّ حيّ لحضاراتٍ تعاقبت على أرضه منذ آلاف السنين، فصاغت تاريخه العريق وبنت مجده الإنساني والحضاري، حتى غدا بحق دولة ضاربة في عمق التاريخ، شامخة في الحاضر، وواعدة في المستقبل.
لقد شهدت أرض الأردن قيام حضارات متتابعة منذ نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد، فكانت موطن الإنسان الأول، وملتقى القوافل، ومهد الزراعة والتجارة والفكر.
ففي القرن الثاني عشر قبل الميلاد، بزغت على هذه الأرض حضارة العرب الكنعانيين في الأردن وفلسطين، وهي من أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية، حيث أرسى الكنعانيون أسس المدينة والكتابة والنظام.
وفي الحقبة ذاتها، قامت حضارة الأدوميين في الجنوب، وعاصمتهم بُصيرا في محافظة الطفيلة، وقد تميزوا بتنظيمهم وإبداعهم في العمارة والتحصين.
ثم برزت حضارة العمونيين عام 1250 قبل الميلاد، وهم من العرب أبناء عمومة الكنعانيين، واتخذوا من ربة عمون – عمان الحالية عاصمة لهم، فكانت مركزاً للسياسة والإدارة والتجارة.
أما في القرن السادس قبل الميلاد، فقد أشرقت على العالم واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ، حضارة الأنباط العرب، الذين جعلوا من البترا درة الشرق وعاصمةً للانضباط والنظام والإبداع المعماري والهندسي، حتى غدت من عجائب الدنيا السبع وشاهدةً على عبقرية العرب قبل الإسلام.
وفي القرن الرابع قبل الميلاد (332 ق.م)، ازدهرت حضارة المؤابيين، وهي حضارة سامية عربية عريقة تركت آثارها على جبال الكرك ومؤتة وذيبان.
ثم جاء العصر الغسّاني عام 63 قبل الميلاد، حين حكم الغساسنة العرب البلاد بالشراكة مع الرومان لأكثر من ستة قرون، في نموذج من الحكمة والسياسة والتعايش.
وجاء الفتح الإسلامي في اوائل القرن السابع الميلادي ليضيف إلى هذه الأرض صفحة خالدة من المجد، إذ انصهرت فيها القيم العربية بالإيمان، فكانت الحضارة الإسلامية التي جعلت من الأردن منارة علمٍ وجهادٍ وعطاء، واستمر عطاؤها حتى اليوم في ظل المملكة الأردنية الهاشمية، التي تقودها أسرة طاهرة الأصلاب، من نسل إبراهيم وإسماعيل، وبسقت بمحمدٍ ﷺ عمودًا نورانيًا بين الأرض والسماء.
وعلى هذه الأرض المباركة، مرّ وسكن وبارك الله بها ،
فهنا المغطس على ضفاف نهر الأردن حيث تعمد السيد المسيح عليه السلام، في أقدس بقعة شهدت ميلاد الرسالة المسيحية.
وعلى جبال نيبو في مادبا، وقف النبي موسى عليه السلام .
وفي وادي الأردن، سار النبي إلياس عليه السلام داعيًا إلى عبادة الله وحده، وهناك أيضًا مقام شعيب عليه السلام في وادي شعيب القريب من السلط.
وفي عجلون مقام الخضر عليه السلام، وفي الكرك مقام نوح عليه السلام، وكلها شواهد على أن الأردن كان مسرحًا للرسالات الإلهية وممرًّا للأنبياء والدعاة، فبارك الله أرضه وماءه وإنسانه.
وعلى ترابه أيضًا، أعظم المعارك الإسلامية التي غيّرت مجرى التاريخ:
معركة مؤتة في الكرك، التي سطّر فيها الصحابة أروع معاني التضحية والفداء.
ومعركة اليرموك في شمال الأردن، التي حسمت مصير الشام وأعلت راية الإسلام.
وفي الأردن يرقد أكثر من 36 ألف صحابي جليل، تتوزع مقاماتهم بين الكرك وإربد والبلقاء والطفيلة والمفرق، مما يجعل هذه الأرض متحفًا روحيًا مفتوحًا للتاريخ والإيمان.
كما يزخر الأردن بأعظم الآثار الرومانية، ففيه ثمانٍ من المدن الاثنتي عشرة الرومانية التاريخية (الديكابولس)، وهي:
جراسا (جرش)، التي كان يقطنها أكثر من مليون نسمة، وفيلادلفيا (عمان)، وجدارة (أم قيس)، وبيلا (طبقة فحل)، وأبيلا (حرثا)، ودايون (إيدون)، وكابتوليباس (بيت راس)، وكانثا (أم الجمال).
وفي ربوع الأردن تنتشر 13 مدرّجًا رومانيًا من أصل 25 في العالم اجمع، شاهدةً على عمق الحضور الإنساني في هذا الوطن الذي ما خبا نوره منذ فجر التاريخ.
إنه الأردن… مهد الحضارات، وأرض النبوات، وموطن الشهداء والصحابة، وبيت الهاشميين الذين حفظ الله بهم رسالة العروبة والإسلام.
ومن هذه الأرض المباركة، يكتب التاريخ كل يوم سطورًا جديدة من المجد والعزة، لتبقى المملكة الأردنية الهاشمية موطن الاطهار الاباة الصيد الشرفاء ، الاقوى والاوفى والابهى ، ورمزًا للأصالة والكرامة والانسانية
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-11-2025 11:41 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||