03-11-2025 10:59 AM
بقلم : د. محمود الحبيس
أيها القادةُ في التعليمِ العالي، هل تدركونَ أن الجامعاتِ تخرّجُ كلَّ عامٍ آلافًا من الشبابِ حاملينَ شهاداتٍ لا قيمةَ لها عمليًا؟
هل تعقلونَ وتعلمون أن هذه الأوراقَ الرسميةَ لا تجهّزهم لأي تحدٍّ في سوقِ العملِ؟ هل الاستمرار في إنتاجِ خريجينَ عاجزينَ عن الابتكارِ بينما العالمُ يتقدّمُ بخطواتٍ واسعةٍ؟.
التوسعُ الجامعيُّ وتعدّدُ التخصّصاتِ لم يُترجما إلى كفاءاتٍ حقيقيةٍ.الفجوةُ بينَ ما يتعلّمُه الطالبُ وما يحتاجُه الاقتصادُ الوطنيُّ تتسعُ يومًا بعدَ يومٍ. هل نزرعُ الفشلَ عن قصدٍ أم عن إهمالٍ متعمّدٍ؟
أصبح كثيرٌ من الشهاداتِ بلا مهاراتٍ… لماذا نستمرُّ في إنتاجِها؟ الطلابُ يخرجونَ حاملينَ أوراقًا فارغةً.
أينَ التفكيرُ النقديُّ؟ أينَ القدرةُ على حلّ المشكلاتِ؟ أينَ الابتكارُ؟ هل أصبحَ اجتيازُ الامتحاناتِ وحفظُ المعلوماتِ الهدفَ الوحيدَ للتعليمِ العالي؟
البطالةُ بينَ حملةِ المؤهلاتِ العليا تتصاعدُ…هل من المقبولِ أن تُهدرَ ملايينُ الدنانيرِ على شهاداتٍ بلا جدوى؟.
غيابُ الربطِ مع سوقِ العملِ فشلٌ إداريٌّ صارخٌ. أين الشراكاتُ الحقيقيةُ مع القطاعِ الخاصِّ؟ لماذا يخرجُ الطلابُ بلا أي خبرةٍ عمليةٍ؟ هل نحن بصددِ تعليمٍ نظريٍّ فقط، أم نريدُ جيلاً قادرًا على الإنتاجِ والمنافسةِ؟.
في سنغافورة، الصناعةُ جزءٌ من تصميمِ المناهجِ، والمشاريعُ الطلابيةُ مع القطاعِ الخاصِّ جزءٌ من المنهجِ. وفي فنلندا، التعليمُ قائمٌ على حلِّ المشكلاتِ، بمساراتٍ مرنةٍ تربطُ الدراسةَ مباشرةً بسوقِ العملِ. أما في ألمانيا، فالنظامُ المزدوجُ والجامعاتُ التطبيقيةُ يدمجانِ النظريةَ بالتطبيقِ منذ اليومِ الأولِ.
فلماذا لا نتبعُ خطاهم؟ هل سنظلُّ نراقبُ شبابَنا يتخرجونَ بلا أدواتٍ بينما العالمُ يربحُ المهاراتِ؟ أصبحت المناهجُ النظريةُ تغتالُ التطبيقَ، فهل ما زلنا نتمادى؟ لماذا الحفظُ والتلقينُ؟ ندرةُ المشاريعِ العمليةِ واعتمادُ أساليبِ تقييمٍ جامدةٍ حوّلتْ الجامعاتِ إلى مصانعَ للشهاداتِ. هل نريدُ طلابًا "ناجحينَ في الامتحاناتِ" فقطٍ دون أي استعدادٍ للحياةِ العملية؟ ألا يستحقُّ جيلُنا أن يتعلّمَ ويعملَ في الوقتِ نفسهِ؟
غيابُ المهاراتِ الناعمةِ ثغرةٌ قاتلةٌ فالاتصالُ، والعملُ الجماعيُّ، والقيادةُ، وإدارةُ الوقتِ غائبةٌ. ثقافةُ الشهادةِ تطغى على الإبداعِ والتميّزِ. هل هذا مقبولٌ في سوقِ عملٍ حديثٍ ومتغيّرٍ؟ هل يمكنُ لأي جامعةٍ أن تدّعي أنها تخرّجُ خريجينَ جاهزينَ بينما هذه المهاراتُ غائبةٌ؟.
القيودُ المؤسسيةُ… أعذارٌ أم فشلٌ متعمّدٌ؟ الاكتظاظُ، ضعفُ المختبراتِ، غيابُ تدريبِ أعضاءِ الهيئةِ التدريسيةِ… كلها أعذارٌ جاهزةٌ. أين التخطيطُ الاستراتيجيُّ؟ أين المحاسبةُ؟
ألا يحقُّ للطلابِ وللوطنِ المطالبةُ بخطةٍ حقيقيةٍ لإصلاحِ التعليمِ العالي؟ هل ننتظرُ حتى تنهارَ المنظومةُ تمامًا؟ دروسٌ من العالمِ للنجاحِ بينما نحنُ نعجزُ. هل سنظلُّ نصدرُ شهاداتٍ فارغةً بينما هؤلاءِ يربحونَ العالمَ بمهاراتٍ حقيقيةٍ؟ هل نريدُ أن يتحوّلَ الوطنُ إلى سوقٍ يعجُّ بالخريجينَ بلا قيمةٍ؟.
مسؤوليتُكم وطنيةٌ قبل أن تكونَ أكاديميةً؛ فالتعليمُ العالي ليس رفاهيةً، إنه شريانُ التنميةِ. كلُّ يومٍ تأخيرٍ في الإصلاحِ يعني مزيدًا من البطالةِ، هدرَ المواردِ، وفقدانَ الثقةِ بالمؤسساتِ. أيها القادةُ… هل ستتفرّجون؟ هل ستتحمّلونَ مسؤوليتَكم أمامَ الوطنِ والشبابِ؟ الفجوةُ بينَ التعليمِ وسوقِ العملِ لم تعد تحتملُ التأجيلَ، والشهاداتُ بلا مهاراتٍ لم تعد مقبولةً. أين أنتم اليومَ؟ هل ستفعلونَ شيئًا قبلَ فواتِ الأوانِ؟.
لقد أكّد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، في رسالته الموجَّهة إلى دولة رئيس الوزراء عام 2023، على أن التعليم العالي والبحث العلمي يشكّلان ركيزة الإصلاح والتحديث في الأردن، وأنَّ على الجامعات أن تُخرِّج شبابًا يمتلكون المهارات والقدرات، متسلحينَ بقيم العمل، وسلوكيات الإنتاج، وروح الإنجاز والتميّز.
وليس ذلك جديدًا على فكر جلالته؛ فقد ركّز في الملتقى الاقتصادي الذي عُقد في البحر الميت بين 31 آذار و1 نيسان 2001، وفي منتدى التعليم في “أردن المستقبل” عام 2002، على أن التعليم يجب أن يكون قاطرة التنمية ومحرك التغيير الحقيقي. ومنذ ذلك الحين، طُرحت أفكار ورؤى ملكية متقدمة هدفت إلى مواءمة التعليم مع متطلبات سوق العمل، لكن السؤال اليوم:
هل تمّ تطوير تلك الرؤى إلى خطط تنفيذية حقيقية؟ أم أننا نشهد انحرافًا عن جوهر التحديث الملكي؟!.
إن الأصل أن تُترجم أفكار جلالة الملك إلى خطط عمل وطنية ذات مؤشرات قياس واضحة، وتخطيط رشيد، ورؤية ديناميكية مرنة واقعية الأهداف، بحيث يصبح التعليم العالي منارة إنتاج لا محطة انتظار، ومنظومة تصنع المستقبل لا تستهلكه. فأين أنتم من هذا الآن؟!!.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
03-11-2025 10:59 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||