حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,3 نوفمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 9039

زهران ممداني يتقدم مجددا في سباق "عمدة نيويورك"

زهران ممداني يتقدم مجددا في سباق "عمدة نيويورك"

زهران ممداني يتقدم مجددا في سباق "عمدة نيويورك"

02-11-2025 04:14 PM

تعديل حجم الخط:

سرايا - سيختار سكان نيويورك يوم الثلاثاء عمدةً جديدًا في سباقٍ استقطب اهتمامًا واسعًا خارج حدود المدينة نفسها، بعدما وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب المرشح الأوفر حظًا، زهران ممداني، بأنه "شيوعي".



المرشح الديمقراطي الصاعد ممداني، وهو أميركي مسلم متجنّس يمثل حي كوينز في الجمعية التشريعية للولاية، يتقدّم على الحاكم السابق أندرو كومو ، المتهم بالاعتداء الجنسي، والذي يخوض السباق كمستقل بعد خسارته الانتخابات التمهيدية أمام ممداني.


أما مرشح الحزب الجمهوري، كيرتس سليا (71 عاما)، مؤسس جماعة الحراس الملائكة ( Guardian Angels ) وناشط إذاعي معروف، فيحلّ ثالثا في الاستطلاعات.


أحدث استطلاع أجرته جامعة كوينيبياك (Quinnipiac University) بين 23 و27 أكتوبر، يمنح ممداني 43% من الأصوات ، يليه كومو بنسبة 33% ، وسليا بنسبة 14% .


تركّز السباق على تكلفة المعيشة والجريمة ، وكيف سيتعامل كل مرشح مع ترامب ، الذي هدّد بحرمان المدينة من التمويل الفيدرالي في حال فوز خصومه اليساريين.


ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة كولومبيا لينكولن ميتشل قوله، إن زهران ممداني شخصية سياسية فريدة تعكس روح اللحظة الراهنة. نحن في لحظة يرتفع فيها الصوت المناهض لترامب في أكبر مدينة أمريكية، وهذا بحد ذاته حدثٌ.


وأضاف: بصراحة، ترشح مسلم لمنصب عمدة نيويورك يُعدّ قصة ضخمة".


اتهم ممداني خصومه باستخدام خطاب معادٍ للإسلام ، وانتقد الجمهوريين والديمقراطيين على حدّ سواء، قائلاً إن "المشاعر المعادية للمسلمين أصبحت متجذّرة في مدينتنا".


أظهرت بيانات مجلس انتخابات نيويورك أن 275,006 ديمقراطيين مسجلين أدلوا بأصواتهم، إضافةً إلى 46,115 جمهوريا ، و 42,383 ناخبًا مستقلًا خلال الأيام الخمسة الأولى من التصويت المبكر الذي ينتهي في 2 نوفمبر.


تسلّط صعود ممداني الضوء على الهوة المتزايدة بين اليسار والجناح الوسطي للحزب الديمقراطي .


ففي 26 أكتوبر، حضرت الحاكمة كاثي هوشول (من التيار الوسطي) تجمعًا انتخابيًا لدعمه، لكنها قوبلت بهتافات "فرضوا الضرائب على الأغنياء" من جمهور الحاضرين، كما رصد مراسل وكالة ا ف ب.


تنتقد هوشول خطة ممداني لفرض ضريبة بنسبة 2% على ذوي الدخل الذي يتجاوز مليون دولار سنويا، معتبرةً أنها تضرّ بالاستثمار في المدينة.

وفي الوقت نفسه، ظهر المرشح الجمهوري كيرتس سليا في فيديو غنائي ساخر بثّ على منصّات اليمين، مرتديا بدلةً وقبعته الحمراء الشهيرة.


أما كومو (67 عامًا)، فحاول يوم الخميس استمالة الناخبين السود والمسلمين من خلال جولة انتخابية في هارلم برفقة العمدة الحالي إريك آدامز ، الذي انسحب من السباق لاحقًا وأعلن دعمه لمنافسه السابق كومو.

زهران ممداني (34 عامًا) نائب ديموقراطي في جمعية ولاية نيويورك عن كوينز، ووجه بارز في حزب الاشتراكيين الديموقراطيين. وُلد ممداني في كمبالا بأوغندا لأب من أصل هندي وأم مخرجة أفلام هندية (ميرا ناير)، وهاجر مع أسرته إلى نيويورك في سن السابعة. تعلّم الدراسات الأفريقية في كلية بودوين، حيث انخرط مبكرًا في العمل الدعوي والطلابي.

وبعد التخرّج ترك مسيرته الموسيقية كرابر تحت اسم "Young Cardamom" ليركز على العمل السياسي والاجتماعي. دخل ممداني حلبة السياسة عام 2020 بفوزه بمقعد في جمعية ولاية نيويورك، ليمثّل حيًا متعدد الأعراق والأصول في كوينز.



ويعد ممداني اليوم المرشح الديموقراطي الأوفر حظًا لانتخابات عمدة نيويورك نوفمبر 2025، وأي فوز سيجعله أول مسلم وأصغر سنًا يتبوّأ هذا المنصب. فقد أيده نُجَباء تقدميون مثل السيناتور بيرني ساندرز والنائبة ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، معتمدا على شعبيته بين الفئات الشابة وكثرة تواجده على وسائل التواصل واهتمامه بالقضايا الاجتماعية.



ممداني بين الأناقة والرسالة السياسية


نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تحليلًا مطولًا بعنوان: أسلوب زهران ممداني "الشاب الألفي" يرسل رسالة ذكية، هذه ليست بدلات آبائكم الرسمية، بل بدلات أصدقائكم في حفلات الزفاف.

وجاء في المقال الذي كتبته الصحفية آشلي فيترز مالوي: بالنسبة للرجال في السياسة، أصبح الامتناع عن ارتداء البذلة الرسمية تصريحًا أكثر جرأة من ارتدائها. (يكفي أن تسأل فولوديمير زيلينسكي أو إيلون ماسك). فارتداء البذلة اليوم أصبح ببساطة عودة إلى الوضع الطبيعي، لا أكثر.


عندما انسحب إريك آدامز من سباق عمدة نيويورك في سبتمبر 2025، اختفت معه رموز مظهره المميز: القبعات الرياضية التي تذكّر بالشرطة، والنظارات الشمسية، وسترات الطيارين، لتتحول صور الحملة إلى مشهد موحّد لرجل يرتدي بذلة، وآخر يرتدي بذلة، وثالث يرتدي بذلة مع قبعة. لوحة نمطية من ميدتاون مانهاتن.


التحليل تابع مشيرًا إلى أن ممداني يستخدم مظهره بعناية كرمزٍ للجيل الجديد؛ فبدلاته أخف وزنًا، وربطات عنقه أقل صرامة، وصوره مع الناخبين تبدو طبيعية وعفوية، كأنه يمزج بين روح الشارع وذكاء المنصّات الرقمية.

أما صحيفة "نيويورك ديلي نيوز" فقد نشرت في 2 نوفمبر مقالًا بقلم الصحفي كازي تيجوار بعنوان: التنظيم هو مفتاح نجاح زهران ممداني. حيث كتب تيجوار:خسارة أندرو كومو في الانتخابات التمهيدية في يونيو أمام زهران ممداني فُسّرت على نطاق واسع بأنها انتصار للكاريزما ولإتقان الإعلام الرقمي.



لكن الحقيقة أعمق من ذلك:فانتصار ممداني لم يُبنَ على الجاذبية الشخصية فقط، بل على سنوات من التنظيم الصبور وغير المرئي في أوساط المسلمين، والآسيويين الجنوبيين، والمهاجرين من الطبقة العاملة في أحياء نيويورك.


وقبل أن ترتفع شعبيته، كان ممداني لا يتجاوز 2% في استطلاعات الرأي، ومن دون دعم سياسي يُذكر. التغيير لم يكن في شخصه، بل في تنشيط الأحياء التي طالما تجاهلها المرشحون الآخرون. كانت هذه مجتمعات ترتبط ببعضها بروابط يومية — الجيران، المساجد، المتاجر الصغيرة، والروابط الثقافية.


ويضيف الكاتب:" تلك الأحاديث اليومية التي تبدو عادية هي في الحقيقة نواة العمل السياسي الجماعي: مساحات للتفكير في السلطة والتمثيل والمجتمع، وهي نفس التربة التي أنبتت انتصار ممداني."


بعد الانتخابات التمهيدية، ركّزت وسائل الإعلام على النفوذ السياسي المتزايد للجالية البنغلادشية، خصوصًا في أحياء ليتل بنغلادش في بروكلين وكوينز، حيث حقق ممداني انتصارات ساحقة.


حتى كومو نفسه لاحظ هذا التغيير، وبدأ فجأة بزيارة المساجد رغم أنه لم يزر أي مسجد خلال سنوات حكمه لكنه قوبل بصيحات الاستهجان، في حين كان ممداني يُستقبل باعتباره «ابن الحي».


ويختتم تيجوار مقاله بقوله:"الفضل لا يعود لشخص واحد، بل لحركةٍ تمتد جذورها إلى أجيال من النشطاء الذين مهّدوا الطريق. الكاريزما تجلب التصفيق، لكن الذين يفوزون فعليًا بالانتخابات هم الخالات بالشاي، والأعمام في النقاشات، والمنظمون الذين يربطون المجتمعات ببعضها. تلك هي قصة انتصار ممداني."


أوباما يمدّ يده… والحزب منقسم


ذكرت صحيفة تشوسون إلبو (الكورية أن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما أجرى مكالمة مع ممداني في الأول من نوفمبر، امتدح فيها حملته، وعرض أن يعمل «مستشارًا» له بعد فوزه المحتمل.

لكن داخل الحزب الديمقراطي، ما تزال هناك مخاوف من توجهاته الراديكالية.فزعيم الأقلية في مجلس النواب هاكيم جيفريز أعلن دعمه له مؤخرًا فقط، بينما لم يعلن تشاك شومر موقفه بعد.

الجمهوريون، من جهتهم، يركّزون على تصوير ممداني كوجهٍ متطرّف للحزب الديمقراطي، معتبرين أن فوزه سيقدّم دليلاً على "اختطاف اليسار" للحزب.


أما ترامب، فجدّد هجومه قائلا إن ممداني «شيوعي»، محذرا من أن فوزه «سيجرّ نيويورك إلى فوضى سياسية".


ظاهرة "ممداني" كما تراها USA Today أوباما الجديد


في تحليل مطوّل نشرته صحيفة USA Today بعنوان: الاشتراكي الديمقراطي زهران ممداني يسطع نجمه “مثل أوباما الشاب”، شبّهت الصحيفة صعود ممداني بـصعود باراك أوباما قبل عقدين، ووصفت حملته بأنها "تجمع بين الكاريزما، الخلفية النضالية، وإتقان الإعلام الحديث".

وقال المحلل السياسي روس باركان: "ممداني شبيه بأوباما الشاب: جذّاب، يمتلك قصة إنسانية مؤثرة، ويتقن التواصل مع الناس. لديه سحر حقيقي يجعل وسائل التواصل الاجتماعي تعمل لصالحه."


تعرض ممداني لهجمات إسلاموفوبية من شخصيات يمينية، بينها النائبة الجمهورية إيليس ستيفانيك، التي وصفته بأنه «جهادي وعميل شيوعي».كما حاول بعض الجمهوريين تحميله مسؤولية إغلاق الحكومة الفيدرالية، في مسعى رمزي لتشويه صورته.


لكن ممداني احتفظ بشعبيته حتى بين خصومه، وتجاهل الإساءات بروحٍ مرحة، كما فعل أوباما سابقًا حين شبّه نفسه بمغني الراب جاي-زي وهو "ينفض الغبار عن كتفه".


يرى المراقبون أن نجاحه يعكس تحولاً ديموغرافيًا وفكريًا في نيويورك، حيث أصبح من الممكن أن يفوز مرشح مسلم اشتراكي في عاصمة الرأسمالية العالمية.


خبرته الانتخابية المبكرة ونشاطه السياسي


قبل وصوله إلى الجمعية التشريعية لولاية نيويورك، عمل زهران ممداني في حملتين انتخابيتين لمجلس المدينة؛ الأولى لصالح محامية حقوق مدنية، والثانية لصالح خضر اليتيم، وهو قسّ فلسطيني-أمريكي. لم ينجح أيٌّ منهما في الفوز، لكن اليتيم حلّ ثانيًا بحصوله على 30% من الأصوات، وهو ما اعتبره ممداني درسًا سياسيًا مهمًا؛ إذ أدرك أن سياساته «المختلفة» عن السائد لها مكان مشروع في المشهد العام.

منذ وصوله إلى ألباني ، مقر حكومة الولاية، أظهر ممداني فهمًا واضحًا لأهمية الفعل السياسي الميداني. فبعد وقت قصير من توليه مقعده، شارك في إضراب عن الطعام استمر 15 يوما دعمًا لسائقي سيارات الأجرة الذين كانوا يطالبون المدينة بتخفيف عبء الديون المترتبة عليهم بعد انهيار أسعار تراخيص سيارات الأجرة (الميداليات) بسبب ظهور خدمات مثل أوبر.


وفي العام نفسه (2021)، تم اعتقاله أثناء احتجاج للمطالبة بوقف عمليات طرد المستأجرين، ثم اعتُقل مجددًا العام التالي في مظاهرة ضد رفع الإيجارات الذي أقرّه مجلس الإسكان المعيَّن من قِبل رئيس بلدية نيويورك إريك آدامز.

وكانت جذور ممداني العائلية وإيمانه الإسلامي ونشاطه في الدفاع عن حقوق النساء والفلسطينيين في صميم حملاته الانتخابية. وهو من أبرز المدافعين عن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS) .


وبعد هجمات 7 أكتوبر 2023 التي شنّتها حركة حماس، تم اعتقاله أمام منزل تشاك شومر ، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ الأمريكي وأحد أبرز حلفاء إسرائيل، أثناء احتجاجه ضد دعم واشنطن لتل أبيب. آنذاك حذّر ممداني من «خطر إبادة جماعية وشيكة في فلسطين».


أسلوبه في الحملات ونجاحه الرقمي


باعتباره ابن مخرجة سينمائية، أدرك ممداني باكرًا قوة الصورة في السياسة . جمع بين الكاريزما الشخصية ، وسهولة التواصل مع الناس، و براعة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في بناء حملة رقمية مبتكرة وفعّالة.

أحد الفيديوهات التي أكسبته شهرة واسعة كان ذاك الذي ظهر فيه يُجري مقابلات مع ناخبين نيويوركيين لمعرفة سبب تصويتهم لدونالد ترامب ، مقدّمًا نفسه كصوت يساري يحاور خصومه بهدوء ومن دون عداء. وفي بداية عام جديد، اقتحم مياه “كوني آيلاند” الباردة لتوضيح التزامه بوعوده بـ«تجميد الإيجارات» ، وهو مشهدٌ رمزي جعل حملته تنتشر كالنار في الهشيم عبر المنصات الرقمية.


قام بجولات ميدانية، ومشى في الأحياء الشعبية محاورا السكان، ونظّم فعاليات رياضية وشعبية بأسلوبٍ غير تقليدي، ووثّق كل ذلك بفيديوهات ذكية حققت انتشارًا فيروسيًا واسعًا.


وعندما بدأت القنوات والصحف الوطنية تتحدث عنه، كان قد أصبح نجمًا سياسيًا رقميًا بالفعل.


برنامجه الانتخابي وتوجهاته السياسية

ركزت حملة ممداني على معالجة مشكلات تكلفة المعيشة ومُجمل الخدمات الحكومية للموظفين المأجورين. فقد أعلن عن برامج جريئة تشمل تجميد الإيجارات في المساكن المستقرة لمدة أربع سنوات، وحافلات عامة مجانية، ورعاية أطفال مجانية شاملة، وتمويل ذلك بزيادات ضرائبية على الأثرياء والشركات الكبرى.


هذه السياسات الاشتراكية الديموقراطية لاقت صدىً واسعًا لدى كثيرين من سكان المدينة المقهورين بالغلاء، وقد اعتبرها مناصروه «تصحيحا للإساءة التي تسبب فيها اقتصاد السوق» كما أكد بنفسه.



وقد سعى ممداني أيضا إلى تحقيق مليونَي وحدة سكنية مدعومة، ورفع الحد الأدنى للأجر إلى 30 دولارًا في الساعة بحلول 2030. رغم راديكالية بعض هذه المقترحات، برز مسعى ممداني لاعتدال صورته أخيرًا، إذ تنصل من فكرة “تمويل الشرطة” الحرفيّة وسعى إلى إبراز خبرته التنظيمية أكثر من إطلاق شعارات مثيرة.



التنظيم الشعبي وقاعدته الانتخابية


كان لـممداني قوة ميدانية ملحوظة في الأحياء ذات الغالبية المهاجرة والمسلمة في نيويورك. فقد أمضت حملته شهورًا في تنظيم آلاف المتطوعين الذين يقصدون البيوت والأسواق والمساجد، انطلاقًا من شعور مشترك بهويّتهم العاملة في المدينة. وخصوصا كان للناخبات البنغلادشيات دور محوري: تعاون ممداني مع العضوة البلدية شَهَانة حنيف لإطلاق رسائل انتخابية باللغة البنغالية موجهة إلى الجالية البنغلادشية، وقد تطوعت مئات النساء وعمّات من هذه الجالية لطرق الأبواب هاتفًا بالناخبين. ويرى المراقبون أن هذه الجماعة (والتي وصفتها وسائل الإعلام بأنها «المشجّعات الخالات البنغلادشيات») قد حفّزت قاعدة من المصوّتين الجدد، حتى أصبح اسم ممداني معروفًا في معظم أحياء كوينز وبرونكس المهاجرة.


كما امتدّت القاعدة إلى المهاجرين من جنسيات أخرى، وهو ما بدى واضحًا في تظاهراته الختامية التي اجتذبت حشودًا غالبيتهم من الشباب الملون. في خطابه بعد فوزه بالتمهيدي الديموقراطي، قال ممداني بوضوح: «هذا النصر ليس نصرًا لي وحدي… إنه نصر الخالات البنغلادشيات اللاتي دقّن الأبواب حتى أوجعت أقدامهن، معبرا عن امتنان شخصي لتلك القاعدة الشعبية التنظيمية.



حساسية كونه مسلما واشتراكيا

لقد صاحَبَ طلب ممداني للمنصب ردود فعل عنيفة من خصومه، بسبب هويّته الدينية وأيديولوجيته اليسارية. فقد سارع أعداؤه إلى استهدافه بشعارات معادية للإسلام ولل«اشتراكية» في آن واحد. على سبيل المثال، كرّر حاكم نيويورك السابق أندرو كومو إتهامه بلعب دور “داعشي” ضمن تصريح مستفز عن أحداث 11 سبتمبر، موحياً بأنه كان سيحتفل بها لو كان ممداني في المنصب، ويُذكر أن كومو قد وصفه سابقًا بـ«المؤيد للإرهاب». كذلك صوَّر بعض المحافظين وجهاً مسلما ناشطًا بعبارات معادية، فأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترامب عليه وصف «الشيوعي» وهدد باستخدام السلطة الفدرالية للتصدي له، بينما وصفته النائبة الجمهورية إيليز ستيفانيك مرارًا بأنه «مرشح جهادي».


بل إنَّ عمدة المدينة الحالي إريك آدامز انضمّ إلى الهجمة عندما وصف ممداني ب«الشيوعي» خلال تأييده لكومو، بزعم الدفاع عن «مكافحة التطرف الإسلامي. هذه الهجمات القائمة على الدين والعرق حظيت بإدانة ممداني نفسه الذي وصفها بأنها «عنصرية بغيضة»؛ لكنه يواجه أيضا مراجعات داخل حزبه حيث ينأى بعض المعتدلين عن تأييده، معتبرين برنامجه خارج الواقع.



موقفه من القضية الفلسطينية وصراع اللوبي الصهيوني


حُسبت مواقف ممداني الصريحة من الصراع العربي–الإسرائيلي على رصيده الانتخابي وعلى انقسام الرأي العام. فمنذ أيام دراسته الجامعية، كان يدعو إلى دعم حق الشعب الفلسطيني ومقاطعة إسرائيل سياسياً واقتصادياً، وشكا من سياسات إسرائيل تجاه غزة بوصفها “فصلا عنصريًا”.


وقد أغضبت هذه المواقف العديد من الجماعات اليهودية في المدينة؛ فقد وقّع المئات من حاخامات نيويورك رسالة مفتوحة يحذّرون فيها من أن تصريحات ممداني تضع «سلامة وكرامة اليهود» في خطروعلى خط موازٍ، بذل اللوبي المؤيد لإسرائيل جهوداً مالية ضخمة لإضعاف ممداني وخصومه التقدميين.



فقد مول عددٌ من المليارديرات مثل مايكل بلومبرغ حملة منافسه السابق أندرو كومو من خلال لجنة دعم ضخمة تجاوزت 22 مليون دولار، فيما لم يجمع ممداني في حملته سوى جزء بسيط من ذلك. ورغم هذا الإنفاق الهائل، انتهت الانتخابات التمهيدية بفوز ممداني بفارق كبير، علماً بأن لجاناً أخرى مرتبطة باللوبي (مثل «سوليداريتي باك» و«بريدجبيلدرز») حاولت استهداف عضوات ديموقراطيات تقدميات، لكنها بدورها لم تنجح في تغيير نتائجها الكبرى.



باختصار، برغم الضغوط الإعلامية والمالية والمناكفات من اللوبي الصهيوني، حافظ ممداني على مكانته باعتباره صوتًا راديكاليًا جديدًا يُعبِّر عن حركة تقدّميّة صاعدة في نيويورك.


منافسو ممداني


يحاول أندرو كومو، البالغ 67 عاما (أي ضعف عمر ممداني تقريبا)، العودة إلى الساحة كمرشحٍ لرئاسة البلدية. وُلد في كوينز لعائلةٍ من أصل إيطالي، والده ماريو كومو كان حاكما ثلاث فترات (1983-1994) ، وترعرع على «قيم المساواة والخدمة العامة».

تخرج في جامعة فوردهم وكلية ألباني للقانون، وبدأ مسيرته مديرًا لحملة والده ومدعيا عاما في مانهاتن. أسس منظمة HELP USA لمساعدة المشردين وتزوج كيري كينيدي (ابنة السيناتور روبرت كينيدي) عام 1990، قبل أن ينفصلا عام 2005 ولهما ثلاث بنات.


شغل لاحقا منصب وزير الإسكان في إدارة كلينتون وانتُخب مدعيًا عامًا عام 2006، ثم حاكمً عام 2011. روّج لزواج المثليين، ورفع الحد الأدنى للأجور، ونفّذ برامج إجازة عائلية ودعم مشاريع بنية تحتية ضخمة. استقال عام 2021 بعد اتهامات بالتحرش الجنسي.


ورغم استمراره في انتقاد ممداني على مواقفه المناهضة لإسرائيل وارتدائه شارة تضامنٍ مع الرهائن، فقد ابتعد مؤخرا عن نتنياهو قائلًا في نيويورك تايمز: «لم أقف مع بيبي قط، وصور غزة مرعبة ويجب أن تنتهي الحرب الآن».


في حملته الحالية، يؤكد على خبرته الإدارية ويحذّر من أن فوز ممداني سيغيّر المدينة التي نعرفها. تتضمن وعوده رفع الأجور إلى 20 دولارًا، وتجنيد 5,000 شرطي إضافي، وبناء 500,000 شقة جديدة.


يستهدف الناخبين المعتدلين ويقدّم نفسه بوصفه حامي «نيويورك القديمة» في معركته الأخيرة من أجل إرثه.



أما كيرتس سليا، 71 عاما، المرشح الجمهوري، أسس منظمة Guardian Angels في السبعينيات لحماية الركاب في المترو والشوارع.



نال شهرةً كبيرة بعد نجاته من محاولة اغتيالٍ مافياوية عام 1992 وظلّ ناشطًا إعلاميًا يُعرف بلغته الصريحة وارتدائه القبعة الحمراء.


خاض انتخابات 2021 وخسر أمام إريك آدامز، ويعود هذا العام بالبرنامج ذاته: دعم الشرطة، الإبقاء على سجن رايكرز آيلاند، مناهضة الأبراج العالية، ودعم حقوق الحيوانات.


ورغم الضغوط للانسحاب لتوحيد الناخبين ضد ممداني، يرفض ذلك، ما يجعل الكثيرين يعتبرونه العامل الحاسم الذي قد يقسّم الأصوات المعتدلة ويُمهّد لفوز ممداني، الذي تُظهر الاستطلاعات أن احتمالات انتصاره هي الأكبر.

يُنظر إلى حملته على أنها بؤرة تجاذب بين أطراف الحزبين الرئيسيين. في المعسكر الديموقراطي، تعبّر قيادات معتدلة عن قلقها من أن يسمح صعود شخصية يسارية مثل ممداني للجمهوريين بشيطنة الحزب الديموقراطي، خصوصاً في انتخابات الكونغرس القادمة. فقد صرّح بعضهم بأن أفكاره «متطرِّفة» وتعصف بالسياسات المعتدلة، وحذروا من تشويه صورة الحزب بالاشتراكية. أما تقدميو الحزب فأكدوا أن كسب قلب حشود شبابية وجديدة يثبت أن الحملة التقدمية قادرة على إثراء القاعدة الانتخابية، وأبرزوا أن أنشطة ممداني التنظيمية شعبية تجذب شباب الأحياء المتنوعة.



وعلى الجانب الجمهوري، شكّل ممداني هدفًا مركزيًا للحملة المضادة. فقد لمّح الرئيس ترامب نفسه إلى حرمان نيويورك من المساعدات الفدرالية بسبب هذا المرشح وهدَّد بإفساد انتخابه. كما استغل المرشح الجمهوري كورتس سليوا وعدّ أي مكاسب «مضادّة للجريمة» في حملته فرصة للفت الانتباه على نفسه وسط تصاعد اليمين المضاد.


يرى المراقبون أن هذا السباق يتجاوز حدود مدينة نيويورك.


ففوز زهران ممداني ابن المهاجرين، المسلم، الاشتراكي، المناصر لفلسطين، سيُعد حدثا سياسيا عالميا يعيد تعريف صورة اليسار الأمريكي، ويختبر حدود التسامح السياسي في بلدٍ تعصف به الانقسامات الثقافية والدينية.


وفي المقابل، فإن عودة كومو، أو بقاء سليا في المشهد، تمثل تمسكا بالنهج القديم سياسة الأمن، ورأسمالية السوق، والتحالف مع المؤسسات الاقتصادية والإسرائيلية.


ومهما تكن النتيجة، فإن الانتخابات هذه المرة لا تدور حول شخصيات فقط، بل حول هوية نيويورك نفسها : هل تبقى رمزا للرأسمالية والتنوع المضبوط، أم تتحول إلى مختبرٍ لسياسات اشتراكية تقدمية يقودها جيلٌ جديد من المهاجرين؟











طباعة
  • المشاهدات: 9039
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
02-11-2025 04:14 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضا

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم