29-10-2025 08:47 AM
														بقلم : الصيدلي عدوان قشمر نوفل
														 وطن صغير بحجم العالم
لبنان… قطعة من الجمال معلقة بين البحر والجبل، بلد الشعراء والمفكرين، ومهد الحرف الأول الذي علم البشرية الكتابة.
غير أنّ هذا الوطن الصغير، الذي حمل على كتفيه أحلام الشرق وثقافة الغرب، وجد نفسه عبر العقود يعيش بين مطرقة الأزمات وسندان الصراعات.
تاريخ لبنان الحديث ليس سوى سلسلة من التحديات التي جعلت من كل يوم معركة من أجل البقاء، وكل أزمة امتحانًا جديدا لصبر هذا الشعب العجيب الذي لا يموت رغم كل الجراح.
أولاً: مطرقة السياسة وسندان الطائفية
منذ نهاية الحرب الأهلية، لم تنجح الطبقة السياسية في بناء دولة قوية تستند إلى مفهوم المواطنة.
بقيت الطائفية تتحكم في القرار، والمناصب توزع وفق الولاءات لا الكفاءات.
كل استحقاق سياسي يتحول إلى أزمة، وكل أزمة إلى فراغ، والفراغ يولد انهيار جديدا.
هكذا أصبح لبنان أسير نظام يوازن بين الطوائف أكثر مما يوازن بين الحقوق والواجبات، حتى صار المواطن يعيش في دوله بلا دولة، سلطة بلا قدرة.
تتفاقم اليوم الأزمة السياسية مع التصعيد الإسرائيلي العنيف على الحدود الجنوبية، إذ يطبق الجيش الإسرائيلي سياسة الأرض المحروقة، ويطلق النار على أي حركه في الجنوب اللبناني، ما يزيد الخطر على المدنيين والمزارعين والمركبات العابرة.
تسعى إسرائيل إلى إفراغ الجنوب من أي وجود، بما في ذلك المقاومة، لتحويله إلى منطقة عازلة آمنة بالنسبة لها.
هذا الوضع الخطير يفاقم الانقسام الداخلي بين الأحزاب اللبنانية، مع احتمال انزلاق البلاد إلى حرب شاملة، سواء عن قصد أو عن غير قصد.
الانقسام السياسي بين الأحزاب يعطل أي توجه وطني موحد تجاه التصعيد الإسرائيلي.
ولا يزال الجدل محتدما حول شرعية سلاح حزب الله ودوافع عملياته العسكرية في الجنوب.
الأحزاب والتيارات الموالية للغرب تضغط على حزب الله لكنها لا تحرك ساكنا تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، في حين فشلت الوساطات الدولية حتى الآن في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار أو في التقريب بين القوى اللبنانية المختلفة.
تصعيد إسرائيل المستمر، وسعيها لبسط نفوذها على لبنان وسوريا ضمن مشروع "إسرائيل الكبرى"، يواجه برفض شعبي و وطني عارم، غير أن المشهد الإقليمي يبقى متوتّرا، والمواجهة بين إيران وإسرائيل تزيد خطر تحول الساحة اللبنانية والسورية إلى مواجهة مفتوحة.
هكذا يجد لبنان نفسه حقا بين المطرقة والسندان، في وضع ينذر بانفجار كبير ما لم يحتكم إلى العقل والحوار.
ثانيا: مطرقة الاقتصاد وسندان الجوع
لم يمر لبنان منذ نشأته بأزمة اقتصادية كالتي يعيشها اليوم.
انهارت الليرة، تبخرت الودائع، توقفت الكهرباء، وتراجعت الخدمات إلى حدّ العدم.
الشباب يهاجرون، والمستشفيات تنهار، والمدارس تغلق أبوابها.
تحت هذا الركام يقف المواطن اللبناني عاجزا بين مطرقة الغلاء وسندان الفقر، فيما تتقاذف القوى السياسية المسؤولية كأن الأمر لا يعنيها.
ومع ذلك، يبقى اللبناني مبدعا في التحدي، يحول معاناته إلى أمل، ويخلق من الوجع حياة.
ثالثا: مطرقة الخارج وسندان الداخل
لا يمكن فهم أزمات لبنان دون النظر إلى موقعه الجغرافي والسياسي، فهو يقف في قلب صراع إقليمي مفتوح بين محاور متنازعة، لكلّ منها أذرع ومصالح داخل حدوده.
من جهة، ضغوط دولية تطالبه بالحياد، ومن جهة أخرى، ضغوط داخلية تجعله جزءًا من معارك أكبر منه.
وهكذا يجد لبنان نفسه دوما بين المطرقة والسندان؛ إن مال نحو الغرب اتهم بالتخلي عن هويته، وإن اقترب من الشرق اتهم بالتبعية.
وفي النهاية، يبقى الخاسر الأكبر هو الوطن الذي يدفع ثمن كل هذا الصراع.
الخاتمة: لبنان لا يموت
رغم كل ما سبق، يبقى لبنان بلدا لا يشبه سواه.
من تحت الركام يولد الأمل، ومن بين الدمار تنبت الأغاني والمواهب والإبداع.
شعب يضحك في وجه الألم، ويقاتل لتحقيق النصر، ويغني رغم الحزن، ويرسم على جدران الخراب شمسا جديدة لا تغيب.
قد يكون لبنان اليوم بين المطرقة والسندان، لكن في قلبه شجرة أرز عتيقة لا تكسرها الرياح، ولا تسقطها العواصف. ما يوجد اللبنانيين اكثر مما يفرقهم.
فلبنان ليس مجرد وطن، إنه رساله حياة وصمود وأمل ومقاومة، وسوف يعبد الطريق إلى فلسطين.
													
| 1 - | 
														ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
													 | 29-10-2025 08:47 AM سرايا | 
| لا يوجد تعليقات | ||