حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,28 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 3625

د. ليث القهيوي يكتب: خطاب العرش: لا وقت للانتظار

د. ليث القهيوي يكتب: خطاب العرش: لا وقت للانتظار

د. ليث القهيوي يكتب: خطاب العرش: لا وقت للانتظار

28-10-2025 08:35 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. ليث عبدالله القهيوي
قدّم جلالة الملك عبدالله الثاني في افتتاح الدورة العادية لمجلس الأمة خطابًا متوازنًا بين المكاشفة والمسؤولية، لكنه أضاف هذا العام بعدًا رمزيًا لافتًا حين قدّم سمو ولي العهد بوصفه "جنديًّا من جنود الأردن". لم يكن ذلك تفصيلاً بروتوكوليًا؛ بل رسالة إلى جيلٍ كامل بأن معيار القيادة هو ثقافة الخدمة والانضباط، وأن طريق التأثير يمر عبر الواجب والعمل لا عبر الامتياز ولا الضجيج. بهذه الروح افتتح الملك خطابًا يعيد ضبط بوصلة الدولة من التشريع إلى التنفيذ، ومن الوعود العامة إلى نتائج قابلة للقياس في حياة الناس.

في المستوى السياسي، حمّل الخطاب مجلس الأمة والأحزاب مسؤولية الانتقال من "برلمان المطالب" إلى "برلمان البرامج". التحديث الحزبي لم يعد ترفًا؛ إنه الأداة التي يُفترض أن تتحول عبرها طاقة الشباب إلى سياسات عامة تُحاسَب على مؤشرات واضحة: ماذا تحقق في التعليم والصحة والنقل؟ كم مشروعًا انطلق ومتى يلمس المواطن أثره؟ العبارة المفصلية "لا نملك رفاهية الوقت" تُغلق عمليًا مرحلة صناعة القوانين وتفتح امتحان التنفيذ الصارم، حيث تصبح الرقابة البرلمانية قائمة على الأثر لا على النوايا، وعلى الموازنة والأرقام لا على الخطابة.
اقتصاديًا وخدميًا، شدّد الملك على استكمال رؤية التحديث الاقتصادي بمشاريع كبرى وجذب للاستثمار وتوفير فرص عمل، مع ربطٍ مباشر بين إصلاح الإدارة العامة وتحسين جودة الخدمة اليومية للمواطن بمدرسة أفضل، مستشفى أكثر كفاءة، ونقل عام يعتمد عليه. هذا الربط يهم الشباب على نحو خاص، لأنه يحدد مسار "الفرصة الأولى": وظيفة لائقة، ومهارة مطلوبة، وكلفة وصول معقولة إلى سوق العمل. ومع أن وتيرة النمو لا تزال متواضعة، فإن الخطاب يغير زاوية النظر من سؤال "أين الوظائف؟" إلى "كيف نُنتج الوظائف؟" عبر تحفيز الاستثمار المنتج وتعزيز بيئة الأعمال، مع مساءلة شفافة عن النتائج.
خارجيًا، ثبت الخطاب ثوابت الأردن: تضامن عملي مع غزة عبر الإغاثة والخدمات الطبية الميدانية، ورفض استمرار الانتهاكات في الضفة الغربية، وتجديد الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس. هذه ليست رسائل خارجية فحسب؛ بل إطارٌ أخلاقي يراه الشباب امتدادًا لهويتهم الأردنية، ويتيح لهم قنوات خدمة ومعنى يتجاوز الجدل اليومي من العمل التطوعي والإغاثي إلى الابتكار التقني في مجالات الصحة والتعليم والخدمات العامة.
ولأن الرسالة موجهة إلى الشباب بوضوح، فإن ترجمتها تتطلب مسارات عملية مشتركة بين الدولة والمجتمع. أولًا، تحويل التدريب إلى عقود أداء: برامج تعلم مهني تُدفع مكافآتها عند التثبيت الوظيفي الفعلي لمدة سنة على الأقل، مع نشر نسب النجاح دوريًا. ثانيًا، منصة وطنية للتعهيد والعمل الحر تربط المواهب الأردنية بطلبيات إقليمية ودولية، وتوفّر حلول دفع وحماية اجتماعية وقانونية لنماذج العمل الجديدة، لتتحول المهارات الرقمية إلى صادرات خدمات. ثالثًا، ربط حوافز الاستثمار والتعاقدات الحكومية بمؤشرات تشغيل الشباب ونقل المعرفة، بحيث تصبح الوظائف والمعرفة شرطًا مسبقًا لا لاحقًا. رابعًا، تسريع شبكات النقل العام وتكاملها داخل الأحياء وبين المدن لتخفيض كلفة الوصول إلى الفرص التعليمية والوظيفية فالمسافة إلى العمل حاجز اقتصادي واجتماعي لا تفصيلاً لوجستيًا. خامسًا، تحويل ريادة الأعمال من "مسابقات" إلى "استدامة": رأس مال نمو وخدمات ما بعد الاحتضان ومشتريات حكومية من حلول الشركات الناشئة بشرط التشغيل المحلي للشباب.
في البعد القيمي، يقدّم الخطاب نموذجًا ثقافيًا للشباب: الجندية بوصفها أخلاقيات إدارة انضباطًا واحترامًا للوقت والقانون يمكن ترجمتها إلى أداء حكومي وشراكة مجتمعية. وإذا اقترنت هذه الثقافة بمؤسسات تحاسب وتكافئ بالعدل، تصبح الثقة رأسمالًا عامًا يدفع السوق لاتخاذ القرار الاستثماري، ويدفع الشباب للانتقال من التذمر إلى المبادرة. هنا تحديدًا يلتقي الرمز بالمضمون: تقديم ولي العهد جنديًا هو دعوة لجيلٍ كامل كي يرى نفسه جزءًا من "كتف الدولة"، لا متلقيًا سلبيًا لسياساتها.
استشرافًا للمستقبل، يضع الخطاب أمام النخبة ثلاث أولويات عملية: أولًا، ترجمة التعددية الحزبية إلى كتل برلمانية برنامجيّة قادرة على التوافق حول تشريعات النمو وفرص العمل، بدل تبديد الطاقة في سجالات موسمية. ثانيًا، تحويل "الرؤية الاقتصادية" إلى خطوط إنتاج مشاريع محددة زمنًا وكلفةً وعائدًا، مع شفافية في تتبع التنفيذ وقياس الأثر على دخل الأسر والخدمات الأساسية. ثالثًا، إعادة تعريف الخدمة العامة من منظور تجربة المواطن اليومية: مدرسة محدثة، عيادة فاعلة، ونقل عام يُسند الإنتاجية ويُحسن نوعية الحياة.
يبقى أن امتحان المرحلة هو التنفيذ: إغلاق الفجوة بين القانون والواقع، وبين الخطة والنتيجة. نجاح الحكومة والبرلمان في تحويل المؤشرات الكبرى إلى أثرٍ ملموس فصلًا بعد فصل وهو ما سيخفض بطالة الشباب ويقلص نزعة الهجرة، وهو ما سيمنح التحديث السياسي شرعيته الشعبية. وعندما تبدأ الأرقام في المدارس والعيادات والنقل وفرص العمل بالتحرك في الاتجاه الصحيح، يتحول خطاب العرش من وثيقة تكليف إلى قصة نجاحٍ مشتركة. عندها فقط تكتسب العبارة المفتاحية معناها الإيجابي الكامل: لا نملك رفاهية الوقت. لأننا بدأنا العمل بالفعل، ولأن شباب الأردن في الجامعة والمصنع والمختبر وميدان الخدمة صاروا شركاء في صناعة الدور لا مجرد باحثين عن فرصة.











طباعة
  • المشاهدات: 3625
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
28-10-2025 08:35 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم