25-10-2025 11:44 PM
سرايا - تعد إيطاليا أرض التاريخ والفن، حيث تمتزج الأزمنة في مشهدٍ واحد يعكس عراقة الماضي وسحر الحاضر. ومن بين الرحلات التي تمنح المسافر تجربة فريدة تجمع بين الهدوء والثقافة والفن، تأتي الرحلة من جزيرة مورانو إلى مدينة بادوفا، وهي مسافة قصيرة جغرافيًا ولكنها مليئة بالقصص والألوان والحرف القديمة التي لا تزال تنبض بالحياة حتى اليوم. إنها ليست مجرد رحلة بين مدينتين، بل عبور من عوالم الزجاج المنصهر إلى أروقة الجامعات القديمة والكاتدرائيات المزخرفة.
مورانو: مملكة الزجاج وبريق الإبداع تبدأ الرحلة في جزيرة مورانو الواقعة شمالي البندقية، وهي وجهة تشتهر عالميًا بصناعة الزجاج اليدوي منذ القرن الثالث عشر. عند دخولك الجزيرة، يستقبلك وهج الأفران التي لا تهدأ وأصوات الحرفيين وهم يصيغون أشكالًا فنية مذهلة من الكتل الزجاجية الشفافة. ما يميز مورانو أن كل قطعة تُصنع فيها تحكي قصة عن الدقة والإبداع والإرث المتوارث عبر الأجيال، حيث تُستخدم التقنيات القديمة نفسها التي كانت تُستخدم قبل مئات السنين. يمكن للزائر مشاهدة عروض مباشرة في ورش الزجاج، وزيارة متحف الزجاج الشهير الذي يضم قطعًا فريدة من نوعها تُظهر تطور هذه الحرفة عبر العصور. كما أن شوارع الجزيرة الصغيرة، المليئة بالمتاجر الهادئة والمقاهي المطلة على القنوات، تمنح إحساسًا بالسكون وكأن الزمن توقف احترامًا لهذا الفن العريق.
بين مورانو والبندقية: ممرات مائية تنبض بالحياة عند مغادرة مورانو، تتجه الرحلة نحو البندقية، المدينة التي تمثل قلب شمال إيطاليا النابض بالجمال والرومانسية. تستغرق الرحلة بالقارب بضع دقائق فقط، لكنها كفيلة بتقديم مشهد بانورامي رائع للقنوات التي تتقاطع تحت الجسور الحجرية القديمة، حيث تمر الجندولات برشاقة بجانب القصور التاريخية. في هذه المرحلة من الرحلة، يمكن للمسافر أن يعيش تجربة البندقية الكاملة: السير في ساحة سان ماركو، زيارة كاتدرائية القديس مرقس ذات القباب الذهبية، أو التجول في أزقة المدينة التي تشبه المتاهة ولكنها ساحرة بكل تفاصيلها. هذه المحطة تمنحك انتقالًا سلسًا من الحرف التقليدية في مورانو إلى الفن المعماري الذي يتجلى في كل ركن من أركان البندقية.
بادوفا: مدينة المعرفة والتاريخ العريق بعد مغادرة البندقية، تتجه الأنظار إلى مدينة بادوفا (Padova) الواقعة على بعد نحو 40 كيلومترًا، وهي واحدة من أقدم المدن في إيطاليا وأكثرها تأثيرًا في تاريخ التعليم والفكر الأوروبي. تشتهر بادوفا بجامعتها العريقة التي تأسست عام 1222، والتي تعد ثاني أقدم جامعة في إيطاليا وواحدة من أقدم الجامعات في العالم. في أروقتها درس العالم جاليليو جاليلي، ولا تزال الجامعة حتى اليوم منارة علمية تستقطب طلابًا من مختلف الدول. إلى جانب الجامعة، تحتضن بادوفا كنيسة القديس أنطونيوس ذات القباب المذهلة، وحديقة النباتات التي أدرجتها اليونسكو ضمن مواقع التراث العالمي، كونها أقدم حديقة أكاديمية في العالم. الشوارع المرصوفة بالحجارة، والمقاهي الكلاسيكية المنتشرة في الساحات العامة، تضيف للمدينة طابعًا يجمع بين الأصالة والهدوء.
من مورانو الهادئة بأفرانها المتوهجة إلى بادوفا التي تعج بالحياة الفكرية والثقافية، تتجسد في هذه الرحلة ملامح إيطاليا التي لا تنفصل فيها الحِرَف عن الفنون، ولا الماضي عن الحاضر. إنها تجربة تمنح الزائر فرصة فريدة لملامسة جوهر الحضارة الإيطالية: الإبداع، الجمال، والاستمرارية في احترام التاريخ. وختامًا، تبقى الرحلة بين مورانو وبادوفا أكثر من مجرد انتقال جغرافي، فهي رحلة في عمق الزمن تذكّرنا بأن الفن والمعرفة هما جناحا الروح الإيطالية التي لا تزال تحلق عاليًا فوق مياه الأدرياتيكي وأزمنة لا تعرف النسيان.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-10-2025 11:44 PM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||