حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الأحد ,26 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 8680

ماجد الفاعوري يكتب: العفو العام .. نداء عدالة ورحمة في وطن يستحق الأمل

ماجد الفاعوري يكتب: العفو العام .. نداء عدالة ورحمة في وطن يستحق الأمل

ماجد الفاعوري يكتب: العفو العام ..  نداء عدالة ورحمة في وطن يستحق الأمل

25-10-2025 01:31 PM

تعديل حجم الخط:

بقلم : ماجد الفاعوري
الأردنيون اليوم لا يرفعون شعارا سياسيا حين يطالبون بالعفو العام بل يرفعون نداء إنسانيا من قلب المعاناة اليومية فالقانون الذي لا يسمع أنين الناس يفقد روحه مهما كانت نصوصه محكمة والعدالة التي لا تراعي ضيق الحال تتحول إلى عبء على من وُجدت لأجلهم إن العفو العام اليوم ليس تنازلا عن الحق بل استعادة لمعناه الحقيقي لأنه يجمع بين الحزم والرحمة بين الصرامة والإنصاف
لقد ألغت الدولة حبس المدين حماية لكرامة المواطن لكن بقايا القوانين والممارسات لا تزال تحاصر الناس في قضايا ليست جنائية ولا تمس الأمن الوطني بل هي نتائج مباشرة للأوضاع الاقتصادية القاسية من عقود إيجار متعثرة ونفقات أسرية مرهقة وأحكام مرتبطة بعقود العمل وتأخر الأجور إلى جانب قضايا صلح عشائري أو اجتماعي صدر فيها صكوك صلح بين الأطراف ومع ذلك تبقى ملفاتها مفتوحة في المحاكم دون إغلاق نهائي فتظل تطارد أصحابها وتمنعهم من السفر أو العمل أو الحصول على براءة ذمة
هناك أيضا آلاف القضايا البسيطة التي تراكمت في المحاكم وتشكل عبئا على المواطن والدولة على حد سواء من مخالفات السير والغرامات البلدية والتنظيمية ومخالفات العمل العام والبناء دون ترخيص أو تأخير في الترخيص إلى قضايا الجنح الصغيرة التي لا تتعدى أضرارها حدود الأفراد مثل المشاجرات المحدودة أو قضايا الذم البسيط أو إساءة الاستخدام غير المقصود لشبكات التواصل أو مخالفات تجارية طفيفة وكلها قضايا يمكن أن تُحل بالصلح والتفاهم لا بالزنازين والسجون
كم من أب أو أم أو شاب أو عاملة أو عامل يعيش اليوم في خوف من تبليغ أو استدعاء أو منع سفر بسبب قضية مالية بسيطة أو مخالفة قديمة أو غرامة تراكمت دون أن يتمكن من تسديدها ليس استهتارا بالقانون بل لعجز مادي وضيق حال والنتيجة أن آلاف المواطنين أصبحوا محاصرين قانونيا في تفاصيل يومية تمنعهم من الإنتاج والعمل والمشاركة في الاقتصاد الوطني
إن العفو العام في هذه المرحلة هو حاجة مجتمعية شاملة لا تمس طبقة بعينها بل تطال كل بيت في هذا الوطن الكبير لأنه لا يوجد بيت إلا وفيه قضية مؤجلة أو غرامة أو تبليغ أو ملف لم يغلق بعد فالعفو هنا لا يعني ترك العقوبة بل يعني فتح باب التصحيح وفرصة جديدة للعودة إلى الحياة الطبيعية بعيدا عن الملاحقات التي تستنزف طاقة الناس وتزرع الخوف في قلوبهم
العفو العام يجب أن يكون بوابة لإصلاح أوسع يبدأ من محاكم الأسرة التي تتكدس فيها قضايا النفقة الزوجية ونفقة الأبناء حيث يواجه آلاف الآباء مذكرات حبس رغم أن عجزهم عن الدفع ليس هروبا ولا تلاعبا بل عجزا حقيقيا ناتجا عن فقدان العمل أو تدني الدخل وهؤلاء لا يستحقون السجن بل يحتاجون إلى حلول إنسانية كإنشاء صناديق دعم مؤقتة أو برامج تشغيل أو جدولة دفع عادلة تحفظ كرامة الجميع دون أن تهدم الأسرة أو تحوّل الأب إلى سجين داخل وطنه
وفي الوقت ذاته يجب أن يرافق العفو العام مراجعة لقوانين التنفيذ والعقوبات المالية لأن الغرامات المتراكمة على المخالفات الصغيرة تحولت إلى عبء خانق على المواطنين وأدت إلى شعور عام بأن القانون لا يميز بين المخطئ العابر والمجرم الحقيقي نحن بحاجة إلى قانون يُصلح لا قانون يُرهق إلى عدالة تُعيد الثقة لا تُضاعف الخوف
الأردن وطن قام على التسامح وعلى حكمة قيادته التي آمنت دوما بأن الإنسان أغلى ما نملك وأن العدالة لا تكتمل إلا بالرحمة فالعفو العام هو امتداد لتلك القيم النبيلة التي صنعت استقرار هذا البلد في أحلك الظروف وهو الطريق الأصدق لاستعادة الثقة بين الدولة والمجتمع في زمن تتكاثر فيه التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
إننا لا نطلب عفوا يشمل من خان أو من تلطخت يده بالإرهاب فهذه قضايا تمس أمن الدولة وجوهرها لكننا نطلب عفوا عاما عن كل من تعثر دون قصد أو ضعف دون نية إجرام نطلب فرصة لكل من يريد أن يبدأ من جديد وأن يعود إلى العمل والإنتاج والمشاركة في بناء الوطن لا إلى الخوف والملاحقة والعزلة
الأردنيون يستحقون أن يُفتح لهم باب الأمل من جديد أن يروا في دولتهم حضنا لا عصا أن يشعروا أن العدالة قادرة على الإصلاح لا على الانتقام وأن القانون حين يتسامح لا يضعف بل يزداد قوة وهيبة لأن العفو في جوهره هو أسمى صور القوة
لهذا فإن العفو العام اليوم هو مطلب وطني جامع لا يخص فئة دون أخرى هو صرخة مجتمع يريد أن يعيش بكرامة وأن يعمل بلا خوف وأن يُحاكم بعقل الدولة لا بغضب النصوص فلتكن هذه اللحظة فرصة لإطلاق صفحة جديدة من الثقة بين المواطن والدولة ولتكن العدالة في الأردن عدالة بوجه إنساني يليق بوطن اسمه الأردن وطن الرحمة والعدل والكرامة








طباعة
  • المشاهدات: 8680
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
25-10-2025 01:31 PM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم