25-10-2025 09:34 AM
بقلم : م. صلاح طه عبيدات
لم تعد الهجرة للأردنيين مجرّد خيارٍ أو مغامرةٍ شخصية، بل غدت مطلبًا، بل حلمًا جماعيًّا يتسلّل إلى وجدان الشباب كلما ضاقت الأرض بما رحبت. إنها ليست بحثًا عن الثراء، بل نجاة من الاختناق؛ من بطالةٍ تحاصر الخريجين، ومن مؤسساتٍ ترهلت حتى فقدت نبضها، ومن وطنٍ أرهقته اللامبالاة حتى صار كالسفينة التي تنزف في صمت.
أصبحت هجرة الشباب والكفاءات الأردنية مطلبًا، بل حلمًا للوصول إلى شواطئ الأمان، حيث يُقدَّر الإنسان لما يحمل من علمٍ وجهد، لا لما يملك من وساطةٍ أو لقبٍ أو قرابةٍ من صاحب القرار.
يهاجر الأردني وهو يعلم أن في قلبه وطنًا لا يُنسى، لكنه يغادره لأن الكرامة لا تحتمل التأجيل، ولأن الصبر على العبث لم يعد بطولة، بل نوعًا من الانتحار البطيء.
إنها هجرةٌ من فوضى تكافؤ الفرص التي غدت فيها الكفاءة تفصيلًا مهملًا في دفترٍ إداريٍّ أصفر، وهروبٌ من ترهّل المؤسسات التي تشيخ قبل أن تولد، ومن سيادة المحسوبيات التي جعلت النجاح ميراثًا لا استحقاقًا.
يهاجر الأردني لأن الضوء في نوافذ الأمل خفت، ولأن الضبابية تغوّلت في القرار حتى لم يعد أحد يعرف إلى أين تسير البوصلة، ولأن التعسف الإداري صار جدارًا يسدّ الطريق أمام المبدعين، كأن الوطن يخاف من نجومه أن تضيء.
وهكذا يصبح المطار كتاب وداعٍ جماعي، وتتحول التأشيرة إلى وثيقة حلمٍ مؤقت، يوقّعها القلب بالحزن قبل الجواز بالحبر.
وفي بلادٍ بعيدة، حين يجد الأردني فرصةً عادلة وكرامةً محفوظة، يدرك أن الوطن لم يكن جغرافيا فحسب، بل حالةُ عدلٍ مفقودةٍ نبحث عنها جميعًا.
فالهجرة ليست خيانةً، بل صرخةُ كفاءةٍ رفضت أن تُدفن حيّة،
وأنينُ حلمٍ قرّر أن ينجو... ولو في المنفى.
| 1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
25-10-2025 09:34 AM
سرايا |
| لا يوجد تعليقات | ||