حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,20 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6206

نادية سعدالدين تكتب: "السلام الكولونيالي"

نادية سعدالدين تكتب: "السلام الكولونيالي"

نادية سعدالدين تكتب: "السلام الكولونيالي"

20-10-2025 09:37 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : نادية سعدالدين
ماذا يقصد الرئيس "ترامب" بحديثه عن السلام في منطقة الشرق الأوسط ضمن خطته "لما بعد الحرب" في غزة؟، هل هو سلام "الريفييرا" أم "السلام الاقتصادي" الذي يتبّناه حليفه المُدلل "نتنياهو"، أم سلام "كوشنيّر" و"بلير" لفرّض الهيمنة الصهيونية. لا يُهم هنا العنوان كثيراً لأن المضمون واحد، فسلامهم لا يشمل حقوق الشعب الفلسطيني في إنهاء الاحتلال وتقرير المصير وحق العودة، بل يهدف إلى إجهاضّها واختزالها في معيشة التبعيّة، أو هكذا يتخيّلون.


يُقدم هؤلاء ما يعتقدون أنه عرضٌ سخيُّ لإحلال السلام الإقليمي عبر خطة اقتصادية أمنية خالية من أي أفق سياسي، تُسهم في إعمار غزة اقتصادياً، ولكنها تُكرّس فصلها جغرافياً عن الضفة الغربية، وتمنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وتُخرج القدس من نطاق التفاوض، مقابل إبقاء السيطرة الصهيونية على منطقة الأغوار الاستراتيجية واشتراط الاعتراف الفلسطيني والدولي "بيهودية الدولة"، وهو في المحصلة إنتاج لسلام الذل والهوان لن يجد لمخرجاته منفذاً.
يستبدل "ترامب"، وأعوانه، المسار السياسي بإجراءات اقتصادية "جزئية" لتحسين الوضع الاقتصادي المعيشيّ في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مما يجعل خطته حافزاً تشجيعياً لإحلال الأمن والسلام في المنطقة، حتى لو انتقصّت من الحقوق الفلسطينية المشروعة، حسب "العقلية الكولونيالية" التي تتشدّق بسلام ظاهري تفرضه بالقوة الاستعمارية المُهيمنة، سلام لا يقوم على العدالة أو المساواة بل على الإخضاع والسيطرة وانتقاص الحقوق وتكريس الاستعمار بأدواته العنصرية المتطرفة.
ويخفي "السلام الكولونيالي" منطق السيطرة خلف خطاب التهدئة، باعتباره نمطا من التفكير والسلوك العدائي المطبوع بمنطق الاستعمار القائم على أساطير التفوق العرقي والثقافي والسيطرة على الآخر وفرض التبعيّة في الإدارة والأمن والاقتصاد والثقافة، بوصفها جميعاً مخرجات العقلية الاستعمارية، والتي يزهو الكيان الصهيوني بتبنيّها والعمل بها، نظير روايته الزائفة بكونه قرين الفكر الغربي وواحة الديمقراطية في المنطقة.
تسعى الإدارة الأميركية من خلال الحديث عن السلام عبر بوابة الاقتصاد، للالتفاف على عجزها عن امتلاك رؤية أو حل للصراع العربي - الصهيوني، وإنما إدارته فقط، بخطط جزئية منقوصة تستهدف فرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة واستحواذ موقع "الدولة المركزية" فيه، استلهاما من منظور "نتنياهو" صاحب فكرة "سلام الردع" والسلام الاقتصادي"، عبر "تسهيلات اقتصادية" تستهدف كيّ الوعيّ الفلسطيني وإضعاف الإرادة الشعبية بما يقود برأيه لتصفية القضية الفلسطينية.
ولطالما ارتبطت التنمية الاقتصادية بعنصر التعليم في المجتمع، بوصفه معوّلاً حيوياً لأسّ التقدم والنهضة والنمو والترقيّ، ورفد الكوادر البشرية المؤهلة في عجلة الحراك التنمويّ، مقابل تماهي التنمية، بشتى أبعادها، مع مفاهيم العدالة والديمقراطية والاستقرار والاستقلال الفردي والمجتمعي معاً.
ويعدّ التعليم بالنسبة للمجتمعات الرازحة تحت الاحتلال أداة فاعلة لتشكيل الوعيّ السياسي الجمعيّ، الذي يدخل في صلبّ حراك المطالبة بحقوق التحرير وإنهاء الاحتلال وتقرير المصير، مثلما يشكل عصبّ الرحى لتأطيرّ حالة ذهنية مقاومة للمُحتل ومضادّة للاستكانة والظلم ومُردفة بوحدة وطنية مناهضة لممارسات التغييب والإلغاء والارتضاء بواقع الاحتلال، فضلاً عن كونه، إلى جانب عناصر حيوية أخرى، أداة تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، بما يسهم في تعزيز الصمود والتثبيت الوجودي في الأرض والوطن، استعداداً لمرحلة ما بعد الاستقلال وإقامة الدولة المستقلة.
ولهذا، فإن عملية التطوّر التعليمي والاستفادة من مخرجاتها ضمن سياق أهداف التنمية الاقتصادية في المجتمع المُحتل تجدّ مُنعة معتبرة من قبل سلطات الاحتلال للحيلولة دون النهوض التعليمي وتحقيق النمو الاقتصادي والاستقلالية، لضمان الإبقاء على حالة التبعية لها في مختلف المجالات.
أما الأزمات الحادّة التي يصطنعها الاحتلال فإنها تستهدف من وجهة نظره مواطن الهوية والوعيّ السياسي الوطني وتكامل النسيج الداخلي وقدرة السلطة "الشرعية" على التغلغل بخدماتها وسلطتها في مفاصل المجتمع المُحتّل، حتى وإن أُجبّر الاحتلال، تحت وطأة تكلفة المقاومة، منح المجتمع المُحتل حكماً ذاتياً معنيّ بالشؤون المدنية للسكان خلا السيادة، وذلك لتقويض السعي أو المطالبة بكيان سياسي مستقل، أو هكذا هو يعتقد بدون جدوى.
إن ما يُقدم اليوم على أنه مساعٍ للسلام، لا يعدو عن كونه إعادة إنتاج لصيغة من "السلام الكولونيالي"، حيث يعاد ترتيب المشهد السياسي بالمنطقة وفق منطق القهر والظلم والهيمنة وعلى أنقاض الخراب باسم الأمن والاستقرار. "فالسلام الكولونيالي" ليس سلاماً حقيقياً، بل هو استعمار بثوب جديد، يخفي خلفه محاولات تصفية القضية الفلسطينية.











طباعة
  • المشاهدات: 6206
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
20-10-2025 09:37 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم