20-10-2025 08:44 AM
بقلم : د. دانييلا القرعان
الكل يعلم، العنف الجامعي ليس وليد اليوم بل هو ظاهرة متكررة تتجدد كل فترة وفترة بصور مختلفة، تمتد جذورها إلى مزيج من العوامل الاجتماعية والنفسية وااثقافية، ويبقى من أبرزها تغلغل العشائرية المفرطة في سلوك بعض الطلبة الذين ينقلون مفاهيم العصبية والانتصار للجماعة إلى بيئةٍ يُفترض أن تُبنى على الحوار والعقلانية، إلى جانب ذلك، يعاني بعض الطلبة من غياب الإرشاد والتوجيه النفسي والسلوكي منذ لحظة دخولهم الجامعة ما يجعل فئاتهم من أكثر الشرائح عرضة للتأثر بالمحيط والاندفاع نحو ردة فعل غير محسوبة.
كما لا يمكن إغفال أثر سياسات القبول الجامعي التي تقوم على تنوع المسارات (تنافس، موازي، استثناءات) التي تخلق تباينات بين الطلبة وشعورًا بالتمييز لدى بعضهم، الأمر الذي يغذي بدوره بيئة هي بالأصل مشحونة، ومما لا شك فيه، ان السوشال ميديا يساهم في تضخيم الأحداث وتحويلها إلى ساحات استعراض رقمي تؤجج الغضب بدلاً من أن تخمده.
وبالرغم مما تحققه بعض الجامعات من مراكز متقدمة بالتصنيفات العالمية، فإن تلك المنجزات الأكاديمية لا تعفي من مسؤولياتها التربوية والاجتماعية، فالجامعة ليست مجرد قاعات دراسة ومختبرات بل فضاء لصقل شخصية الفرد الوطنية وتعميق قيم المواطنة والانضباط، وعليه، ادارة كل جامعة مطالبة بإعادة النظر في منظومة الأمن الجامعي لتكون منظومة وقائية قائمة على التوعية والحوار لا على الردع فقط، إلى جانب تفعيل دور عمادة شؤون الطلبة والمراكز الإرشادية في الكشف المبكر عن بوادر التوتر، من ثم تنظيم أنشطة تُعزز الانتماء للوطن بدل من الولاءات الضيقة، ويتوجب أن تكون قوانين الانضباط الجامعي حازمة واضحة، أما الأهم أن تطبق على الجميع بدون استثناء أو تدخل عشائري أو سياسي.
بالمقابل، من غير المنصف أن نحمل ادارات الجامعات وحدها هذا العبء، لأن العنف الجامعي انعكاس لثقافة اجتماعية أوسع والتي تحتاج لمراجعة، وهذا يقودنا الى دور الأسرة الكبيرة أو العشيرة، ما تمثله من امتداد وطني وتاريخي يمكّنها تكون جزءًا من الحل إذا ما تبنّت خطابًا إصلاحيًا يدعو أبناءها إلى نبذ العنف واحترام القانون، ويؤكد على أن القوة الحقيقية في الكلمة والعلم، لا في العصبية والانفعال.
أقترح (بصفتي أكاديمية وباحثة قانونية) بعض الخطوات العملية التي يمكن تخفف من الظاهرة، أولها، إدراج مساق جامعي إلزامي يتحدث عن ثقافة الحوار والتسامح والمسؤولية المجتمعية، ثانياً، إنشاء مجلس وساطة طلابي بإشراف إداري لمعالجة الخلاف قبل تفاقمه، ثالثاً، تشديد العقوبات القانونية على المشاجرات داخل الحرم الجامعي لضمان الردع، رابعاً، تدريب الطلبة على مهارات الذكاء العاطفي وضبط الغضب، خامساً، تعزيز التواصل مع أسر الطلبة ومرجعياتهم العائلية (وإن تعدوا سن الرشد) عبر لقاءات دورية لبناء شراكات تربوية حقيقية.
بالختام، ما حدث يجب أن يكون جرس إنذار لا مناسبة عابرة، لأن العلم لا يجتمع مع العنف، والحرم الجامعي لا يحتمل العصبيات الضيقة، لذا، المطلوب إرادة مؤسسية مجتمعية طلابية جادة تضع حدًا لهذا السلوك، وتعيد للجامعات مكانتها كمنارة للفكر والوعي والإحترام.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
20-10-2025 08:44 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |