حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,21 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6487

ابو دلبوح يكتب: الجدوى الاقتصادية للحياة: بين منطق الأرقام ومعنى الوجود

ابو دلبوح يكتب: الجدوى الاقتصادية للحياة: بين منطق الأرقام ومعنى الوجود

 ابو دلبوح يكتب: الجدوى الاقتصادية للحياة: بين منطق الأرقام ومعنى الوجود

19-10-2025 08:58 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : موفق عبدالحليم ابودلبوح
في عصر تحكمه المعايير الرقمية، وتُقاس فيه القيمة بالربح والخسارة، يتسلل سؤال عميق إلى الذهن، يبدو لأول وهلة صادمًا، لكنه مشروع: هل للحياة الإنسانية "جدوى اقتصادية"؟ وهل يُمكن تقويم الوجود الإنساني بموازين الإنتاجية والعائد، أم أن للحياة من المعنى ما يتجاوز جداول الحساب ومعايير السوق؟
الاقتصاد، في جوهره، علم يُعنى بتخصيص الموارد لتحقيق أقصى منفعة وبمنطقه البارد، تُصبح كل فكرة، وكل جهد، وكل كائن، قابلًا للتقييم من زاوية الكلفة والعائد وفي هذا السياق، تُطرح أسئلة مؤرقة:
ما قيمة الإنسان الذي لا يُنتج؟
هل حياة المريض المزمن، أو العجوز المتقاعد، تُعدّ "عبئًا" اقتصاديًا؟
وهل يقف مبرر الإنفاق على الإنسان عند حدود إنتاجيته المادية؟
أسئلة كهذه تكشف جانبًا مظلمًا من الرؤية الاقتصادية البحتة، حين تُفصل عن القيم الإنسانية والأخلاقية.
لا يمكن إنكار أن للإنسان دورًا اقتصاديًا فاعلًا؛ فهو يعمل ويبتكر ويُضيف إلى الناتج القومي، ويسهم في تدوير عجلة الاقتصاد وتُنفق الدول على الصحة والتعليم والتأهيل؛ إدراكًا منها أن الإنسان المُعافى والمتعلّم هو استثمار استراتيجي.
لكن، هل تنتهي قيمة الإنسان إذا عُطّلت أدواته الإنتاجية؟
هل يُصبح بلا جدوى إذا توقفت مساهماته المادية؟
هنا تبرز الفجوة الهائلة بين القيمة الإنتاجية والقيمة الوجودية للحياة ، فالإنسان لا يُقاس فقط بما يُنتج، بل بما يُحِب وبما يُلهم وبما يُعلّم، وبما يترك من أثرٍ طيب، حتى وإن لم يُترجم ذلك إلى أرقام في ميزانية.
حين تفشل المعادلات في احتساب المعنى تعجز الأرقام عن احتساب:
دمعة فرح في عين أمٍ، أو ضحكة طفلٍ لا يملك شيئًا إلا البراءة.
لمسة حنان من عجوز تجاوزه الزمن، لكنه لا يزال يمنح الحياة عمقًا ودفئًا.
قصيدة، لوحة، دعاء، لحظة صفاء، أو فعل خيرٍ عابر لا يعلم به أحد.
كل هذه صور للحياة لا تُدرج في تقارير الأرباح، لكنها تُمثّل جوهر الوجود الإنساني.
من منظور إنساني فلسفي، لا تُقاس الحياة بمدى "الجدوى الاقتصادية"، بل بمدى المعنى فالإنسان ليس أداة في منظومة إنتاج، بل كائن يحمل رسالة، ويُجسد قيمًا، ويملك قدرة فريدة على العطاء والبناء، حتى في أحلك لحظاته قد يعيش المرء فقيرًا، عاجزًا، أو مهمّشًا، لكنه يُلهم، ويُربّي، ويُضحّي، ويُضفي على من حوله ما لا تقدر عليه كنوز الأرض.
الحديث عن "الجدوى الاقتصادية للحياة" ليس سعيًا لتقزيم الإنسان، بل دعوة للتأمل في مدى اختزالنا له في أطر مادية ضيقة.
الحياة أثمن من أن تُختزل في جداول تكلفة وعائد. جدواها الحقيقية تكمن في أن نحيا بكرامة، وأن نُحِب، وأن نترك أثرًا، لا أن نُحقّق رقمًا.
فإذا كان الاقتصاد يُعلّمنا كيف ندير الموارد، فالحياة تُعلّمنا لماذا نعيش أصلًا.
موفق عبدالحليم ابودلبوح








طباعة
  • المشاهدات: 6487
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
19-10-2025 08:58 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم