حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,7 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 7311

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: الانتخابات السورية وإعادة بناء الشرعية الدستورية

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: الانتخابات السورية وإعادة بناء الشرعية الدستورية

أ. د. ليث كمال نصراوين يكتب: الانتخابات السورية وإعادة بناء الشرعية الدستورية

07-10-2025 08:31 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : أ. د. ليث كمال نصراوين
شهدت سوريا قبل أيام انتخاباتٍ تشريعية لاختيار أعضاء مجلس الشعب وإعادة تشكيله للمرة الأولى بعد سقوط نظام الأسد، حيث تُعدّ هذه الانتخابات محطةً مفصلية في مسار التحول السياسي والعدالة الدستورية في سوريا، ولحظة اختبارٍ حقيقية لقدرة الدولة الجديدة على إعادة بناء شرعيتها على أساس الإرادة الشعبية، وذلك بعد سنواتٍ طويلة من احتكار السلطة وتغييب التمثيل البرلماني الحقيقي.

إنّ الانتخابات التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية وتعطيل العمل بالدساتير تختلف في طبيعتها ومخرجاتها عن الانتخابات التي تُجرى في الدول المستقرة. فالبرلمان الذي يُولد بعد الثورة لا يُعدّ مؤسسةً تشريعية تقليدية، بل هيئةً تأسيسية تُناط بها مهمة إعادة صياغة العقد الاجتماعي وترسيخ مفهوم السيادة الشعبية في نظامٍ سياسيٍّ جديد.

فالفرق الجوهري بين البرلمان العادي وبرلمان ما بعد الثورة هو أنّ الأول يعمل داخل نظامٍ سياسيٍّ ودستوريٍّ قائمٍ وموجود، في حين أنّ البرلمان المنتخب بعد الثورة ينشئ النظام ذاته. فالأول يمارس السلطة، بينما الثاني يؤسس لشرعيتها. فهو لا يعمل ضمن إطارٍ دستوريٍّ مستقر كما في البرلمانات التقليدية، بل يُنشئ الإطار نفسه الذي سيحكم الحياة السياسية والدستورية في المستقبل.

وفي الأنظمة المستقرة، يمارس البرلمان المنتخب عمله وفق دستورٍ قائم، وتتمحور صلاحياته الدستورية في التشريع والرقابة ضمن منظومة سلطاتٍ متوازنة. أمّا في المراحل الانتقالية، فإنّ المجلس المنتخب يمارس وظيفةً إضافية؛ إذ يقود عملية التأسيس لدولة ما بعد الثورة من خلال الإسراع في إقرار منظومةٍ تشريعيةٍ متكاملة الأركان، إلى جانب إقرار دستورٍ جديدٍ للدولة أو المشاركة في عملية إصداره بصرف النظر عن الأسلوب المتبع في ذلك. فهو برلمانٌ يحمل صفةً تأسيسيةً بامتياز، لا يقف عند حدود سنّ القوانين، بل يتعدّاها نحو وضع أسس الشرعية الدستورية للدولة الجديدة.

وقد أظهرت التجارب المقارنة بعد الربيع العربي في عام 2011 أنّ طبيعة البرلمانات الأولى في مرحلة التحول هي التي تحدد مصير العملية الانتقالية وصورة الدولة الجديدة. ففي تونس، مثلًا، كان المجلس الوطني التأسيسي نموذجًا حيًّا لهذا الدور، حيث أوكلت إليه مهمة صياغة دستورٍ جديدٍ للبلاد وتنظيم المرحلة الانتقالية، فكان سلطةً تشريعيةً وسياسيةً في الوقت ذاته.

وهنا يبرز السؤال الأهمّ حول النظام الانتخابي الأمثل لإجراء أول انتخاباتٍ نيابية بعد سقوط الأنظمة السياسية، حيث تشير تجارب العدالة الانتقالية إلى أنّ الدول عادةً ما تميل إلى اعتماد أنظمة التمثيل النسبي الواسع التي تتيح تمثيل مختلف القوى السياسية والاجتماعية، وتُعبّر عن روح الثورة القائمة على المشاركة لا الإقصاء. فالمطلوب في المرحلة الأولى ليس برلمانًا متجانسًا أو تطبيق فكرة تداول السلطة، بقدر ما يهدف إلى إعادة تأسيس الدولة وصياغة دستورٍ جديدٍ لها.

في المقابل، تميل بعض الدول الأخرى إلى تبنّي نظامٍ انتخابيٍّ خاصٍّ بها ترى أنه يتناسب مع ظروفها واستعدادها لتحمّل كلفة ومسؤولية عدم نجاح التجربة. وهذا ما حصل بالفعل في الانتخابات السورية الأخيرة، التي لم تعتمد نظام الاقتراع الشعبي المباشر، بل جرت وفق نظامٍ انتخابيٍّ غير مباشر يقوم على تشكيل "هيئات ناخبة" محلية تختار أعضاء مجلس الشعب بدلًا من التصويت المباشر من قبل المواطنين، مع منح رئيس الجمهورية الحق في تعيين نحو ثلث أعضاء المجلس لضمان "التمثيل الوطني الشامل".

يُعدّ هذا النظام الانتخابي نظامًا مرحليًا ذا طبيعةٍ انتقالية فرضته الظروف السياسية والأمنية التي تعيشها الدولة السورية، والتي حالت دون إجراء اقتراعٍ شعبيٍّ شاملٍ في جميع المحافظات. غير أنّ هذا التحول من التصويت المباشر إلى الانتخاب غير المباشر يثير تساؤلاتٍ دستوريةً جوهرية حول مدى تمثيل المجلس المنتخب للإرادة الشعبية، وكيفية تعامل ممثلي الشعب "المنتخبين" مع السلطة التنفيذية ورئيسها الذي كانت له اليد الطولى في اختيار أعضائه.

ومع أنّ الهدف المعلن من هذا النظام هو تيسير الانتقال السياسي وضمان استمرارية عمل مؤسسات الدولة إلى حين التأسيس لمشروعيةٍ دستوريةٍ جديدة، إلا أنّه يحمل خطر تكريس نموذجٍ برلمانيٍّ شكليٍّ لا يُعبّر عن الإرادة الشعبية. وهذا ما يفرض بالضرورة سرعة قيام المجلس الجديد بالأعمال الدستورية المطلوبة منه، ومن ثمّ حله بعد استبعاد فكرة التمديد له، وإجراء انتخاباتٍ تشريعيةٍ جديدة تقوم على أساس عناصر التمثيل النيابي الكامل.

* أستاذ القانون الدستوري في الجامعة الأردنية

laith@lawyer.com











طباعة
  • المشاهدات: 7311
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
07-10-2025 08:31 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنهي خطة ترامب حرب "إسرائيل" على غزة وتدفع نحو إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم