07-10-2025 08:27 AM
بقلم : د.عاصم منصور
“خمسون عامًا من الدعاية الصهيونية تتهاوى أمام صورة طفل جائع في غزة”.. بهذه الكلمات لخص أحد المحللين الغربيين ما يحدث اليوم من تحول جذري في الرأي العام العالمي تجاه القضية الفلسطينية، تحولٌ لم يكن أحدٌ في الغرب يتوقع حجمه وسرعته، خصوصًا أولئك الذين راهنوا طويلاً على أن الزمن كفيل بطي صفحة فلسطين من ذاكرة العالم.
هذا التحول الكبير في الرأي العام الغربي يأتي بعد عقود طويلة استفادت خلالها الحركة الصهيونية من تعاطف غربي جارف، بنته على أنقاض الحرب العالمية الثانية، فقد نجحت الدعاية الصهيونية في تصوير إسرائيل كملاذ آمن لشعب مضطهد، واستثمرت بذكاء في مشاعر الذنب الغربية تجاه ما حدث لليهود في أوروبا، لتحول الضحية إلى جلاد، والمضطهد إلى سفاح.
لكن ما يلفت الانتباه في التحول الراهن هو تركزه بشكل خاص في الفئات العمرية الصغيرة، فالشباب الغربي اليوم، الذي لم يعشْ تحت وطأة عقدة الذنب التاريخية، ولم يتشكل وعيه من خلال الرواية الصهيونية المهيمنة، بات يرى الصراع بعيون مختلفة تمامًا. إنه جيلٌ نشأ في عصر وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث لمْ تعد الحقيقة حكرًا على وسائل الإعلام التقليدية التي طالما انحازت للرواية الإسرائيلية.
في استطلاع أجْرته جامعة هارفارد مؤخرًا كشف أن نسبةً كبيرةً من الشباب الأميركي باتتْ تميل نحو تأييد الحقوق الفلسطينية، في تحول دراماتيكي عما كان سائدًا قبل عقد واحد فقط. ويرى محللون أن هذه النتائج ليست مجرد أرقام عابرة، بل تعبر عن تغيير استراتيجي في علاقة الجيل الأميركي الجديد بالقضية الفلسطينية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل يملك العرب الإرادة والقدرة على الاستفادة من هذا التحول الإيجابي في الرأي العام العالمي؟ وهل سيتمكنون من تحويله إلى مكاسب سياسية ملموسة على أرض الواقع؟
الحقيقة المرة هي أن الدبلوماسية العربية ما تزال متخلفة كثيرًا عن ركب التحولات العالمية، فبينما تتصاعد موجة التضامن الشعبي مع فلسطين في العالم؛ تبدو الأنظمة العربية منقسمةٌ ومترددة، بلْ إن بعضها لا يزال يلهث وراء سراب التطبيع مع الكيان الصهيوني، متجاهلاً أو متشككًا في جدوى هذه التغيرات الشعبية.
وفي المقابل، تعمل الحكومة الإسرائيلية وداعموها، خصوصًا في الولايات المتحدة، بكل ما أوتوا من قوة لتعديل الرأي العام من خلال أذرعهم الطويلة في الإعلام والسياسة. وقد بدأوا مؤخرًا في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية وتضخيم مخاوف الإسلاموفوبيا في المجتمعات الغربية.
كما أن صعود اليمين المتطرف في أوروبا والولايات المتحدة يشكل تهديدًا حقيقيًا لاستمرار هذا التحول الإيجابي.
فاليمين المتطرف، بخطابه المعادي للمهاجرين والإسلام، يحاول جاهدًا ربْط القضية الفلسطينية بقضايا الإرهاب والتطرف، في محاولة لتشويه النضال المشروع للشعب الفلسطيني.
ويبرز هنا السؤال الاستراتيجي، هل نحن أمام مرحلة جديدة في تاريخ القضية الفلسطينية؟ وهل سيستمر هذا الزخم العالمي المتصاعد لصالح الحقوق الفلسطينية، أم أنه مجرد موجة عابرة ستتلاشى مع الوقت أمام آلة الدعاية الصهيونية الضخمة؟
الإجابة تتوقف على قدرة الفلسطينيين والعرب على استثمار هذه اللحظة التاريخية، وتحويل التعاطف العالمي إلى دعم سياسي حقيقي؛ كما تتوقف على مدى صمود الشعوب الغربية أمام محاولات تشويه وعيها من خلال الإعلام المضلل والسياسات المنحازة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
07-10-2025 08:27 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |