06-10-2025 12:06 PM
بقلم : موفق عبدالحليم ابودلبوح
في لحظة فارقة من التحوّلات الاقتصادية العالمية، لم تعد ريادة الأعمال مجرّد خيار مهني أو وسيلة لتحقيق الاستقلال المالي، بل غدت حالة فكرية وسلوكية متكاملة، تعكس قدرة الإنسان على إعادة تعريف الواقع، عبر التمرّد الواعي على المألوف، وتحويل التحديات إلى مساحات خصبة للفرص.
لكن، ماذا يعني أن تكون رياديًا بحق؟ وكيف يمكن بناء عقل لا يكتفي باستهلاك العالم، بل يسعى بجرأة إلى إعادة تشكيله؟
ريادة الأعمال في جوهرها لا تبدأ من المشروع، بل من نمط تفكير مختلف تفكير يرى في الفوضى نظامًا محتملاً، وفي الفشل شرطًا ضروريًا للنضج، وفي المخاطرة مساحة لاختبار الإمكانيات القصوى فالريادة الحقيقية ليست نتاج فكرة لامعة فحسب، بل ممارسة يومية تستند إلى:
• رؤية مركبة للواقع: حيث لا تُرى المشكلات كعوائق بل كبوابات لفُرص ممكنة.
• وعي عميق بالقيمة: فالربح ليس البوصلة الوحيدة بل يُقاس النجاح بـ"الأثر" الذي يُحدثه المشروع في الحياة والمجتمع.
• انحياز دائم للحركة: لأن الفكرة مهما بلغت من البراعة لا تصبح ريادة إلا حين تُختبر في ميدان الواقع، وسط تقلباته وتعقيداته.
وعلية فإن العقل الريادي لا يتشكل عبر الأدوات التقنية وحدها بل يتبلور من خلال رؤية فلسفية تجاه العالم لإنه عقل لا يبحث عن الأبيض أو الأسود، بل يجيد التنقل داخل المساحات الرمادية، حيث لا إجابات جاهزة ، هو عقل يتقن طرح الأسئلة العميقة، لا الاكتفاء بإجابات سطحية.
الفشل ليس نهاية بل "بيانات" تساعد على الفهم وتضيء الطريق نحو الأفضل ولا مكان للنماذج الجاهزة بل تُفكَّك وتُحلَّل، لتُعاد صياغتها بما يناسب السياق الجديد كما أن الانضباط الذاتي عنصر لا غنى عنه؛ فريادة الأعمال، رغم كل ما تحمله من إبداع، تتطلب قدرة عالية على التحمل، مواجهة الغموض، واتخاذ قرارات متواصلة تحت ضغط وعلية كي تتحول الفكرة إلى مشروع ريادي نابض بالحياة، لا بد من المرور بمراحل تشكّلية تعتمد على:
• التجريب كمنهج.
• المرونة كأسلوب.
• التعلم المستمر كقاعدة.
المشروعات العظيمة لا تنبت في الفراغ؛ بل تنشأ من قدرة دقيقة على التقاط ألم معين، أو حاجة صامتة لم يُلتفت إليها بعد فالحل لا يحتاج إلى تعقيد، بل إلى ذكاء وواقعية لأن المشروع الريادي الجيد هو ما يجمع بين جاذبية السوق والجدوى الاقتصادية، في صيغة بسيطة، قابلة للتطبيق فكل منتج أو خدمة بصورتها الأولية ليست إلا وسيلة للتعلم بأقل تكلفة من أجل اختبار الفكرة والحصول على ردود فعل حقيقية من السوق وهنا من الفضل التعامل مع المشروع ككائن حي يتطور يُصقل ويُعدّل باستمرار عبر دورات من التغذية الراجعة، التجريب، والتحسين المستمر.
ربما تكمن القيمة الأعمق لريادة الأعمال في كونها ليست مجرد مهنة، بل طريقة لفهم الذات والعالم فالريادي المعاصر لا يغيّر فقط قواعد السوق، بل يُعيد رسم العلاقة بين : الفرد والمجتمع، الخيال والواقع، الحلم والإمكان.
ففي زمن تُختبر فيه الحدود التقليدية للعمل، والسلطة، والتعلم، تظهر الريادة كـ فعل وجودي، يُعيد للإنسان قدرته على التأثير، والإبداع، والمغامرة.
الريادة ليست ترفًا فكريًا، ولا امتيازًا نخبويًا إنها طريق مفتوح لكل من يمتلك الشجاعة لطرح الأسئلة الصعبة، والاستعداد للسير في مناطق الغموض، والانحياز إلى التغيير بدلاً من الثبات فإن كنت تحمل فكرة، فلا تنتظر اكتمال الصورة ابدأ، وتعلّم، وعدّل.
فلعلّ ما ينقص هذا العالم ليس المزيد من الأفكار، بل المزيد من أولئك الذين يمتلكون جرأة التجربة، وشجاعة البناء.
موفق عبدالحليم ابودلبوح
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-10-2025 12:06 PM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |