حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الثلاثاء ,7 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 6073

غاندي النعانعة يكتب: أيها المعلم بك نثق

غاندي النعانعة يكتب: أيها المعلم بك نثق

غاندي النعانعة يكتب: أيها المعلم بك نثق

06-10-2025 11:50 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : غاندي النعانعة
من غير المستغرب على الأردنيين تقديرهم للمعلم و للتعليم كونه عامل نهضوي يتصل بالإنسان الأردني و إعداده لبناء المستقبل، ولكننا قد نجد موضوع الثقة في المعلمين و ضرورة إثراءه، قد بات يمثل إشكالية تربوية عميقة في ظل التحولات التي يشهدها الحقل التعليمي المعاصر؛ فبينما تشهد المنظومة التربوية في مختلف مناطق العالم العربي تحولاً نحو نماذج تقوم على الرقابة المستمرة والتقييم الصارم، يبرز سؤال جوهري: هل يمكن لمثل هذه النماذج أن تنتج تعليماً مستنيراً ومنتجاً؟ أم أننا بهذا النهج نعزز من أزمة الثقة التي تهدد جوهر العملية التعليمية؟
إذ تشير التجارب التربوية إلى أن الاعتقاد السائد بأن أنظمة الرقابة الصارمة هي الضمانة الوحيدة لجودة التعليم يمثل اختزالاً خطيراً لطبيعة العملية التعليمية؛ فبينما تخلق الثقة بيئة خصبة للإبداع والابتكار التربوي، نجد أن النموذج القائم على الصرامة لم ينتج سوى معلمين حريصين على اتباع التعليمات دون تجاوزها، خائفين من المخاطرة، وبعيدين عن الإبداع؛ وهذا ما يدفعنا للتساؤل: ما الذي يبقى إن انتُزع الإبداع من التعليم؟
إن جودة التعليم ليست نتيجة أدوات أو سياسات بحتة، بل هي نابعة من الثقة المتبادلة بين أطراف العملية التعليمية؛فالمعلم الموثوق به والمؤمن برسالته يصبح الرقيب الحقيقي على مسيرته، نابعة ممارساته من إيمانه بدوره وأهميته،و لا يعني هذا إلغاء المساءلة، بل تحويلها من رقابة خارجية هجومية بعض الشيء إلى مساءلة مهنية، و روحانية، و حكيمة، و بناءة تقوم على التقييم الذاتي والتطوير المستمر.
و بما أننا في زمن التحول الرقمي و المدخلات التقنية،فإنه من الطبيعي أن يثار تساؤل حول ما إذا كان التطور التقني قد أخرج المعلم من قلب المعادلة التعليمية، و لا بد من أجل الإجابة على هذا التساؤل، من تحليل يتجاوز السطح التقني ليلامس جوهر العملية التربوية وأبعادها الإنسانية.

فرغم كل ما تقدمه التكنولوجيا من أدوات مساعدة، يظل المعلم حجر الزاوية في العملية التعليمية. فالتعليم ليس مجرد نقل للمعلومات، بل هو عملية معقدة تنطوي على بناء الشخصية، وصقل المهارات الحياتية، وتنمية التفكير النقدي، وخلق الدافعية للتعلم و إذ بهذه الجوانب لا يمكن لأي آلة أو برنامج أن يحل محل الإنسان فيها بشكل كامل، فالمعلم مرشد وصانع للأجيال، و لا يقتصر دوره على تلقين المعلومات، بل هو الموجه و الناصح الأمين، و هو القادر على ملاحظة الفروق الفردية بين الطلاب، واستشعار احتياجاتهم النفسية والتعليمية، وتكييف أساليب التعليم وفقاً لها،و هذه المرونة والحدس الإنساني يظلان خارج نطاق قدرات الآلات حتى في أكثرها تطوراً.

بل إن المعلم الواثق من نفسه قادر على خلق هذه الثقة في طلابه، فيشجعهم على طرح الأسئلة، والتعبير عن آرائهم، وتحمل مسؤولية تعلمهم. وعندما يثق الطلاب بأنهم شركاء حقيقيون في العملية التعليمية وليس مجرد متلقين سلبيين، تتحول العملية التعليمية من نقل أحادي للمعرفة إلى حوار تفاعلي خلاق.

إن استعادة الثقة في المعلم ليست إلا استعادة لروح التعليم ومحور توازنه، وهي ضرورة حتمية لضمان جودة التعليم الإنساني؛لإننا لا يمكن لنا استيراد المعلم المخلص لأبناء وطننا، الواثق من نفسه و المؤمن برسالته، و عند وصولنا إلى تلك النقطة الراشدة سنتمكن من استيراد المناهج والأدوات التكنولوجية لنضعها في سياقها الوطني الأمن بكل اقتدار.
و عندما يثق المجتمع في المعلمين تمام الثقة، ويعترف بقيمتهم ودورهم، ويوفر لهم المكانة الاجتماعية اللائقة والدعم المادي والمعنوي، فإنه بذلك يستثمر في أهم ركائز تقدمه،فالمعلم المقتنع بقيمته الاجتماعية يكون أكثر إبداعاً وعطاءً، وأقدر على تأدية رسالته بكل إخلاص، و بذا يمكن القول إن استعادة الثقة بالمعلمين تمثل المدخل الحقيقي لإصلاح التعليم. فالمعلم الواثق هو القادر على مواجهة تحديات العصر، والاستفادة من إمكانات التكنولوجيا، وإعداد أجيال قادرة على التفكير النقدي والإبداع والابتكار، لأن الثقة هي التربة التي تنمو فيها أجنحة الإبداع، وتزهر فيها نوابغ الأجيال القادمة، فبالثقة نعيد للمعلم مكانته، وبالثقة نبني تعليماً يستحق مستقبل أمتنا، و، على ذلك ليكن شعارنا المؤطِر لهذا الاستحقاق الوطني: "أيها المعلم بك نثق".











طباعة
  • المشاهدات: 6073
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
06-10-2025 11:50 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنهي خطة ترامب حرب "إسرائيل" على غزة وتدفع نحو إقامة دولة فلسطينية؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم