06-10-2025 09:16 AM
بقلم : نادية سعدالدين
لا يخرج مفهوم «التعايش السلمي» عن طروحات يجري تسويقها للدلالة على إمكانية العيش المشترك بين الفلسطينيين والمستوطنين الصهاينة قبل إنهاء الاحتلال، بعد أن يتم تغليفها ضمن صيغ نظرية عالمية قابلة للتصدير كأطر نموذجية لحلول جاهزة تستهدف نبذ الصراعات والحروب وإحلال السلام والتعايش بين شعوب العالم، بدون أن يُصار إلى مراجعتها بُغية التثبت من مدى صلاحيتها للتطبيق، بعدما ثبت فشل بعضها في عِقر دار ذات الدول المصدرة لنظريات السلام واحترام حقوق الإنسان والعدالة والتعايش بين الشعوب المتباينة.
تعود فكرة «التعايش السلمي» إلى الزعيم الروسي والمفكر الماركسي (أول رئيس لحكومة روسيا السوفيتية) «فلاديمير لينين» الذي أطلقها بعيد الثورة البلشفية التي قادها عام 1917 بدون أن تحظى حينها باهتمام يذكر، فيما أعيد إحياء التعامل معها عامي 1920 – 1921 ومن ثم خلال الحرب العالمية الثانية، حتى وصلت ذروة الترويج لها مع بدايات تشكل القطبية الثنائية الحادة بين المعسكرين الغربي والشرقي اللذين خرجا من أتون الحرب بقناعة مشتركة بأن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لتجنيب البشرية ويلاتها، فبرز المفهوم ليكون بمثابة أساس لقاعدة التعاون والتعايش بين نظم مختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ولكنها متفقة على ضرورة إنهاء الصراع الدائم بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي، وإن تباينت نظرة كل منهما إلى مسوغات هذا المفهوم ومضمونه.
غير أن أسّس الكيان الصهيوني، القائمة على العنصرية والتوسّع والاحتلال والاستيطان والتهجير والعنف والعدوان، تتناقض تماماً مع المبادئ الأساسية «للتعايش السلمي» ومرتكزاته ووسائل تحقيقه، والتي يتمثل أبرزها في:
أولاً: إن التعايش السلمي يقوم على المساواة بين جميع الأمم والشعوب، وهذا الأمر لا يتحقق بدون زوال كل أثر للاحتلال والقهر الاستعماري.
ثانياً: لا يمكن تحقيق التعايش السلمي بين شعب مُستعمِر وشعب مُستعمَر، أو بين دولة تحتل أراضي دولة أخرى، إذ لا يتحقق التعايش بدون التزام أركانه ومبادئه القائمة على احترام الحقوق المشروعة للدول والشعوب، ومن هنا فإن التعايش يستدعي أن تُرّد الحقوق إلى أصحابها وأن تتمتع الشعوب بخيراتها وتستثمر مواردها بما يحقق مصلحتها.
ثالثاً: إن تحرير البلدان المستعمرة يُعد بمثابة تطبيق حق تقرير المصير الذي يعتبر شرطاً أساسياً للتعايش السلمي، الذي يقوم على التفاهم والتعاون المتكافئ بين جميع الشعوب، مما يعني أن التعايش، في مضمونه، يسهم في نضال الشعوب من أجل التحرر.
رابعاً: إن الرغبة في التعايش تنبع من الذات ولا تُفرض من الخارج تحت ضغوط معينة، أو تُرهن بشروط مهما تكن المسببات.
خامساً: إن التعايش يتناقض مع العنصرية، وينبذ التوسع ويرفض السيطرة والهيمنة، مثلما يقضي بسيادة السلام الذي يرمي إلى مقاومة ظاهرة الحروب والنزعة العدوانية في العلاقات البشرية، وسيادة مفاهيم التعاون والتفاعل في المجتمع الإنساني وحل المنازعات بالطرق السلمية.
سادساً: إن التركيز على الحوار لا ينطلق فقط من كونه يدخل في صلب العملية التفاوضية بين أطراف تسعى إلى تسوية النزاعات ونبذ الحروب والصراعات تمهيداً إلى الحل السلمي بينها، وإنما أيضاً لأهميته في ترسيخ قيم التوافق والتعاون والتعايش في حال ما إذا توافرت فيه شروط، وبدونها يصبح الحوار فاقداً للشرعية ومُفرغاً من أية دلالة أو مضمون وسيكون إملاء للرأي وفرضاً له من طرف على آخر، حيث يشترط في الحوار التكافؤ والمساواة والاحترام المتبادل والإرادة والرغبة المشتركة في إجرائه بغية تحقيق هدف ما، كما ينبغي أن لا ينطلق من الإحساس بالتفوق العنصري والاستعلاء وروح الهيمنة والسيطرة.
سابعاً: يشترط التعايش السلمي عدم استخدام القوة وعدم الاعتداء على الآخرين أو اللجوء إلى العنف. أما تذرع أحد الأطراف بمقولة الدفاع عن النفس لتبرير العدوان على دول أو شعوب أخرى، على غرار ما يقوم به الكيان الصهيوني، فإنه يتنافى مع مبادئ التعايش السلمي.
إن محاولة اجترّار المفهوم للدلالة على إمكانية التعايش السلمي مع الكيان الصهيوني، حتى قبل إنهاء الاحتلال، لن تنجح مطلقاً، بسبب تناقض مشروعه الاستعماري الاستيطاني الإحلالي التوسعي في فلسطين المحتلة والمنطقة مع أهم مبادئ المفهوم نفسه، مما يعني أن لا تعايش سلميا ولا أمن واستقرار في الإقليم إلا بعد إنهاء الاحتلال وتفكيك الكيان الصهيوني، وبدون ذلك ستكون محاولة فرّضه ضرباً من الخيال.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
06-10-2025 09:16 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |