30-09-2025 08:23 AM
بقلم : د. خالد السليمي
المشهد: إعلان 29 سبتمبر 2025 وفصول الخطة
في 29 سبتمبر 2025 أعلن البيت الأبيض خطة من نحو 20–21 بنداً قدمها الرئيس دونالد ترمب كخارطة طريق لإنهاء الحرب في غزة، مُتعهداً بسحب القوات الإسرائيلية إلى خط متفق عليه، وإطلاق سراح الرهائن، وبنوداً لإعادة الإعمار، لكن بشروط قاسية تتضمن تجريد حماس من السلاح واستبعادها من أي دور حاكم في المرحلة الانتقالية، الأهمّ أن الخطة تقترح تشكيل "مجلس سلام" دولي يقوده ترمب ويضم شخصية بارزة مثل توني بلير لإدارة فترة مؤقتة في غزة وإشراف على الانتقال إلى إدارة فلسطينية "مُفلترة" أو "مُعاد تأهيلها"، الإعلان جاء بعد سلسلة اتصالات رئاسية مع زعماء إقليميين وغربيين، واعتبره البيت الأبيض محاولة لإنهاء نزيف إنساني طال أمده.
جوهر الصفقة: ما تغيّره حقاً عن «صفقات القرن» السابقة
ترمب لم يقدّم هنا مجرد إعادة تشغيل لفكرة "صفقة القرن"، الخطة تتميز بصرامة استثنائية: شرط نزع السلاح الكامل لحماس، إدارة دولية مؤقتة لقطاع غزة بقيادة غربية، واشتراطات حكمية وإدارية على السلطة الفلسطينية قبل استلامها، هذا الإطار يضع عملية السلام تحت إشراف مباشر لقوى غربية، وهو تحوّل من تسوية سياسية تفاوضية إلى ترتيب مؤسسي مؤقت تفرض معايير أمنية وسياسية مسبقة على الفلسطينيين، بين خطوط الخطة يبدو واضحاً تفضيل نموذج "إعادة بناء" تُدار تقنياً وتحت رقابة دولية قبل أي إعادة سيادة فلسطينية كاملة،
دور ترامب - بلير: انتداب استثنائي أم "انتداب مستعمِر"؟
اقتراح مجلس سلام يقوده ترمب ويشمل توني بلير أثار صدمة سياسية، فبلير رمز الدبلوماسية الغربية في الملفات الإقليمية، لكن تصدُّره إدارة غزة يذكّر بالبُنى الانتدابية التاريخية التي تُدار من خارج المجتمع المحلي، منتقدو الخطة يرون فيها "انتداباً حديثاً" يضرب مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، بينما يراها مؤيدون وسيلة لضمان إدارة محايدة وفعالة لإعادة الإعمار وتنظيف المشهد الأمني، على الأرض، أي "انتداب" بهذا الطابع سيقابل رفضاً شعبياً وفصائلياً لا يقل خطورته عن محاولات فرض ترتيبات سابقة بدون موافقة حقيقية للفلسطينيين.
ردود فعل فورية: دعم إسرائيلي دولي واحتياطات عربية
خلال مؤتمر صحفي مشترك أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي دعمه للخطة، مُشيراً إلى أنها تحقق "مقدمات أمنية" لاحتياجات إسرائيل، فيما رحّب عدد من العواصم العربية والإسلامية بالإطار العام لكنها شددت على ضرورة أن يفضي إلى حل سياسي دائم وقائم على حل الدولتين، في الوقت نفسه، سجّل الوسط الدولي مخاوف قانونية وإنسانية؛ لأن هذه الخطة قد تُسجَّل كتحوّل في نهج التعامل مع الاحتلال وتثبيت وصاية دولية مؤقتة، وهو ما يفتح نقاشات عن الشرعية والحقوق.
وعد ترامبي 2025 بدل بلفور 1917: قراءة الرمزية والدلالات
الخطاب الداعم للخطة استخدم لغة احتفالية من قِبل طرح ترمب نفسه وإعلامه، وبخبراء ومحللين نُشِرَت مقارناتهم، البعض ذهب إلى وصفها "وعداً جديداً" في سياق التطوير والتأسيس من قِبَل قوة كبرى وهو تشبيه يحمل حمولة رمزية ثقيلة: إذ أن وعد بلفور 1917 مثّلت وعداً بمنح امتيازاً قومياً لليهود بمقدّرات شعب آخر، لكن ينبغي التمييز بين الرمزية السياسية والواقع القانوني: لا تُوجد حتى الآن نصوص رسمية تشير إلى أن ترمب منح "وعداً" يوازي بلفور بمعناه التاريخي، بل إن من وصفوها كذلك هم نقّاد الخطة الذين يحذّرون من تبعاتها على الحق الفلسطيني، في المقابل، قرارات غربية حديثة (مثل اعتراف لندن بالدولة الفلسطينية في 21 سبتمبر 2025) تُضاف كعامل معقد في المشهد وتُظهر أن موازين القوى السياسية في الغرب قد بدأت تُعيد توازناتها.
ماذا تعني الخطة لمحاكمة القادة؟ هل تبرئ نتنياهو سياسياً أو قانونياً؟
المؤتمر الصحفي المشترك ودعم نتنياهو للخطة قد يمنح الزعماء الإسرائيليين غطاءً سياسياً مؤقتاً إذا ترجمت الخطة نجاحاً سريعاً مثلاً: (إفراج عن رهائن ومبادرات إعادة إعمار)، لكن ذلك لا يُلغِي المسارات القانونية المفتوحة أمام قادة إسرائيل، المحكمة الجنائية الدولية أصدرت مستندات وإجراءات، وملفات قانونية دولية أخرى قيد المناقشة، كما أن تقارير دولية ربطت أفعالاً معينة باتهامات خطيرة، إذن الواقع القانوني لا يُمحى بتصريح سياسي، لكن سياسياً قد يُخفف نجاح الصفقة من الضغط الشعبي الدولي أو يُحوّله إلى مسارات تفاوضية بديلة، بالتالي، لا نملك اليوم "شهادة براءة" قانونية لنتنياهو ما قد يحدث فعلياً هو تراجع مؤقت للضغط السياسي والدعائي ضده إذا اعتُبر الاتفاق مخرجاً عملياً للأزمة.
مخاطرات إنفاذ الخطة: شرعية دولية وشرعية محلية فلسطينية
تنفيذ الخطة يواجه ثلاثة مخاطر متداخلة: قانونية (مواجهة إجراءات المحاكم الدولية)، سياسية داخلية (رفض حماس والفصائل لآليات تُقصيها)، ولوجستية إنسانية (إعادة إعمار في ظل تشرذم سياسي ونقص خبرات إدارية محلية)، أي إدارة مؤقتة تُفرض من الخارج ستحتاج ضمانات قوية للاعتراف بالحقوق الفلسطينية وعودة اللاجئين وإجراءات واضحة لاستعادة السيادة المحلية لاحقاً، وإلا فستتكرر تجربة مشاريع "إعادة بناء بدون سياسة" التي أثبتت فشلها تاريخياً، الوسيطون الإقليميون (قطر، مصر، والأردن) سيكونون مفتاح المصادقة المحلية، وهو ما يفسر سعي ترمب لربط دول إقليمية بالخطة.
رهان واشنطن: إنهاء الصراع أم تثبيت ترتيب جديد؟
من منظور واشنطن، إنجاز صفقة يُظهر قدرة أميركا على إدارة أزمات كبرى ويُعد مكسباً دبلوماسياً استراتيجياً، لكن الرهان الأميركي محفوف بالمخاطر: أي حل يُدير قطاعاً بأطر مؤقتة دون معالجة جذور الصراع (الاحتلال، الاستيطان، حق العودة، دولة فلسطينية ذات سيادة) قد يولّد انتفاضات جديدة أو يطيل دورة العنف، هنا يكمن الاستحقاق العربي والدولي: هل سيتم ربط إعادة الإعمار والشرعية المحلية بضمانات سياسية حقيقية أم يقتصر الاتفاق على ترتيبات أمنية وإدارية؟
هل هذه "مصيدة" لإسرائيل أم مخرج للأزمة؟
الخلاصة المحايدة تقول: خطة ترمب 2025 تُقدّم مخرجاً عاجلاً مُغرياً لوقف القتل وإخراج رهائن، لكنها لا تمحو الإشكاليات الجوهرية، سياسياً، قد تمنح إسرائيل غطاءً مؤقتاً لاستراتيجياتها وتخفف ضغط المحاسبة، لكن في الوقت نفسه تُعرّي مسألة الوصاية الدولية على الفلسطينيين وتُجبر المجتمع الدولي على إعادة ضبط مواقفه بما في ذلك اعترافات غربية حديثة بفلسطين، إن ترجمة الخطة إلى نجاح دائم رهين بمدى مشاركة الفلسطينيين الحقيقية، وبصرامة الضمانات القانونية والسياسية التي تكفل حقوقهم، القلق الأكبر أن يتحول "حَلّ مؤقت" إلى ترتيب دائم يُحرم الشعب الفلسطيني من سيادته.
في الختام: فإن خطة ترمب لإنهاء حرب غزة هي محطة مفصلية: إمّا أن تُدير وقفاً إنسانياً آمناً مع خارطة طريق واضحة للسيادة الفلسطينية، وإما أن تتحول إلى نسخة جديدة من "حلّ تقنيني" يفرض رقابة خارجية ويؤجل الحقوق الأساسية، التاريخ يعلّمنا أن الحلول المستدامة لا تُبنى على نماذج وصاية طويلة الأمد أو على صفقاتٍ تُستبدل بها الحقوق، أمام العالم اليوم فرصة نادرة لإنهاء معاناة شعبٍ، لكن هذه الفرصة تتطلّب منا إصراراً على ربط كل تفصيل إنساني بضرورة العدالة والحقوق، أي صفقة تُعرض الآن يجب أن تُقاس بمدى استعادتها لكرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية، لا بمدى قدرتها على إطفاء النار بشكلٍ مؤقت.
توصيات استراتيجية لصُنّاع القرار السياسي والمجتمع المدني:
1. الشرط الأول: إشراك فلسطيني كامل وصريح: أي اتفاق لا يشارك فيه ممثلون شرعيون عن الفلسطينيين ويمنحهم دوراً فعالاً في صياغة جدول التنفيذ سيفشل.
2. الشرط الثاني: ربط إعادة الإعمار بحقوق سياسية: اعتمدوا آليات ربط مالية وقانونية تضمن أن إعادة الإعمار ترافقها خطوات نحو دولة فلسطينية قابلة للحياة، وتمنع خلق اعتماد دائم على الوصاية الخارجية.
3. الشرط الثالث: ضمانات قانونية ومحاسبة مستقلة: حافظوا على مسارات المساءلة الدولية، لا تسمحوا لنجاح مؤقت أن يُقفل ملفات العدالة الدولية أو يطوى دون ضمانات محاسبية واضحة.
4. الشرط الرابع: آلية رقابة إقليمية متعددة الأطراف: شكلوا هيئة رقابة إقليمية تضم مصر وقطر والأردن وسلطات أوروبية موثوقة تتابع تنفيذ البنود وتضمن مشاركة مجتمعية فلسطينية.
5. خارطة طريق زمنية وقابلة للمراجعة: ضعوا جداول زمنية واضحة لتحويل السلطة المؤقتة إلى إدارة فلسطينية مُجددة، مع نقاط مراجعة دولية ومحلية.
6. منع إقصاء الفصائل الشعبيّة بدون بديل سياسي: لا تُقصّوا حواضناً شعبية بالقوة، ادمجوا البرامج السياسية والاقتصادية لمنع شكل جديد من العنف والفساد.
7. ضمانات إنسانية فورية. حماية دخول المساعدات، وقف التهجير القسري، وتأمين شبكات الغذاء والدواء كشرط إنساني لا تفاوض عليه.
8. رعاية دبلوماسية عربية فاعلة: الدول العربية يجب أن تكون ضامنة فعليّة لحقوق الفلسطينيين داخل أي تفاهم، لا تتركوا القرار غربياً محضاً.
9. مواجهة مخاطر غياب الشرعية: اعملوا على ادماج آليات انتخابية ومحلية تمهد لعودة شرعية فلسطينية مقبولة محلياً ودولياً.
10. قراءية حقوقية وشفافية كاملة: اجعلوا كل اتفاقية وشرطاً متاحاً للمراقبة الدولية والحقوقية لضمان الشفافية ومنع تحوّل الحل إلى تسوية تؤدي الى انتهاكاً للحقوق.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
30-09-2025 08:23 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |