29-09-2025 09:06 AM
بقلم : د. خالد الشقران
تأتي خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب على غزة في ظروف حساسة ودقيقة، تشهد تصاعد المأساة الإنسانية واشتداد الضغوط الدولية لإنهاء العدوان وإيجاد حل سياسي دائم، حيث ان الخطة التي تناقلتها وسائل الاعلام وتتألف من واحد وعشرين بنداً، تبدو في ظاهرها محاولة شاملة لرسم مستقبل القطاع وربطه بمسار سياسي أوسع، لكن قراءتها المتأنية تكشف عن نقاط قوة ونقاط ضعف، وعن تحديات قد تجعل تطبيقها أمراً بالغ التعقيد.
النقطة الأبرز في الخطة هي الدعوة إلى وقف فوري للعمليات العسكرية وانسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية مقابل إعادة جميع الرهائن، وهذه الخطوة إن تمت، ستكون بمثابة كسر لدوامة القتل والدمار، وإعادة الأمل لأكثر من مليوني إنسان محاصر في غزة، لكنها في الوقت ذاته تشترط قبول الأطراف كافة، بما في ذلك حماس، بما يعني وجود مفاوضات شاقة حول تفاصيل التنفيذ وضمانات الالتزام.
البنود المتعلقة بإعادة الإعمار وتدفق المساعدات الإنسانية تشكل جانباً إيجابياً في الخطة، خصوصاً وأنها تربط إعادة التأهيل بتوفير إطار دولي محايد لإدارة القطاع من خلال حكومة تكنوقراط فلسطينية بإشراف دولي، وهو ما قد يمنح غزة فرصة نادرة لإعادة بناء بنيتها التحتية المنهارة وخلق فرص اقتصادية جديدة، لكنه في الوقت ذاته يثير سؤالاً حول مدى قبول القوى الفلسطينية الرئيسية بإدارة خارجية للقطاع، ولو كانت انتقالية.
أكثر ما يثير الجدل في الخطة هو البند الذي يستبعد حماس من أي دور في حكم غزة، مع منح أعضائها خيار العفو أو مغادرة القطاع. هذا الطرح الذي على ما يبدو انه مقبول لإسرائيل والولايات المتحدة، يعني عملياً محاولة تغيير المشهد السياسي في غزة بالكامل، وهو أمر ربما قد يواجه مقاومة داخلية او يمكن ان يؤدي إلى صراع داخلي ما لم يتم التوصل إلى صيغة شاملة تضمن مشاركة القوى الفلسطينية كافة في مرحلة انتقالية متفق عليها وطنياً.
النقطة التي قد تشكل بارقة أمل للشعب الفلسطيني هي إدراج بند يتحدث عن مسار نحو الدولة الفلسطينية بعد تنفيذ الإصلاحات المطلوبة للسلطة الفلسطينية وتقدم عملية إعادة الإعمار، ومع ان هذا البند يعترف ضمناً بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، إلا أنه يفتقر إلى جدول زمني واضح أو ضمانات دولية ملزمة، ما قد يجعله مجرد وعد مؤجل إذا لم يتم الضغط لتنفيذه على أرض الواقع.
من الناحية العملية، يتطلب تطبيق الخطة توافقاً دولياً وإقليمياً واسعاً، ومشاركة فعلية من دول عربية قادرة على لعب دور الضامن والممول لعملية إعادة الإعمار، إضافة إلى استعداد إسرائيل للقبول بالتزاماتها والانسحاب الكامل وعدم الانقلاب في اول فرصة على الاتفاق، كما يتطلب استعداداً فلسطينياً لتجاوز الانقسام الداخلي والاتفاق على رؤية مشتركة لإدارة المرحلة المقبلة.
في المجمل، تحمل الخطة فرصاً لوقف الحرب والمجازر بحق الشعب الفلسطيني وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حياة المدنيين، لكنها في الوقت نفسه تواجه عراقيل سياسية وأمنية ليست بالسهلة، ويعتمد نجاحها على إرادة الأطراف وقدرتها على تقديم تنازلات متبادلة، وعلى تدخل دولي حاسم يضمن التنفيذ لا الاكتفاء بإصدار بيانات النوايا، ورغم أن المؤشرات تعكسها بنود الخطة من حيث انها قد تشكل بداية طريق طويل نحو تسوية شاملة، الا انها لن تنجح إذا ظلت مجرد ورقة تفاوضية تستخدم لشراء الوقت، وعليه فإن المطلوب اليوم إرادة حقيقية لوقف نزيف الدم وتحويل غزة من ساحة حرب إلى أرض للحياة، وإلا فإن المنطقة ستبقى عالقة في حلقة مفرغة من الحروب والصراعات والانتقام والدمار، في ظل استفحال تطرف الحكومة الإسرائيلية وتزايد اعتداءاتها ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وضد دول المنطقة.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-09-2025 09:06 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |