حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,29 سبتمبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 5873

د. ليث القهيوي يكتب: كيف تغير الإقليم بعد شرعنة الدولة الفلسطينية؟

د. ليث القهيوي يكتب: كيف تغير الإقليم بعد شرعنة الدولة الفلسطينية؟

د. ليث القهيوي يكتب: كيف تغير الإقليم بعد شرعنة الدولة الفلسطينية؟

29-09-2025 09:00 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : د. ليث عبدالله القهيوي
لم يشهد الإقليم منذ سنوات لحظة سياسية أشد كثافة من سبتمبر 2025، حين تتابعت الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، لتفتح مسارًا جديدًا يضع الجميع أمام اختبار التنفيذ لا الخطاب، وبينما تتقاذف المنطقة رياح التوتر، يبرز الدور الأردني كصوت توازن وحكمة، يحوّل الاعتراف من شعار إلى أداة عملية لإنتاج الأمن والعدالة.


تدفّقت الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين خلال سبتمبر 2025 لتشكّل نقطة انعطاف نادرة في سياسة الإقليم، إذ تحوّل السؤال من «هل نعترف؟» إلى (كيف نُترجم الاعتراف إلى مسار قابل للقياس؟). لم يعد الأمر سجالًا بروتوكوليًا حول بيانات دعم، بل إعادة توزيعٍ للأوزان والمعايير: منطق الحقوق مقابل العلاقات، ومعادلةٌ جديدة ترفع كلفة التعطيل السياسي وتضغط على الأطراف كي تحدد مواقفها من حل الدولتين بوضوح لا يحتمل الرمادية. هذا التحوّل لم يأتِ من فراغ، تراكم أخلاقي وسياسي وإنساني بعد حربٍ طويلة على غزة، وصبر دولي نفد من إدارة أزمة بلا أفق، والنتيجة أن الاعتراف بدولة فلسطين بات إطارًا يحكم النقاش بدل أن يكون تفصيلًا فيه.


حين يعلو صوت الحكمة الأردنية فوق ضجيج الأزمات الإقليمية، يتبدّد الالتباس بين الخطاب الأخلاقي ومتطلبات الأمن القومي، خطاب جلالة الملك عبدالله الثاني في الأمم المتحدة قدّم صياغة عملية لهذا التوازن: وقف فوري للحرب، حماية منهجية للمدنيين، مسارات إنسانية مستدامة لا موسمية، ثم الانتقال إلى أفق سياسي صلب ينتهي بدولة فلسطينية قابلة للحياة ، جوهر الرسالة أن العدالة ليست ترفًا أخلاقيًا، بل شرط أمن إقليمي. وأن (السلام) الذي لا يُختبر ميدانيًا يتحوّل إلى عنوان جميل يغطي واقعًا أشد قسوة ، بهذا المعنى، يصبح الاعتراف بالدولة الفلسطينية ليس مكافأة لأحد، بل تصحيحًا لمسار اختلّ طويلًا وإطارًا مُلزِمًا لتغيير السلوك على الأرض.


إقليميًا، أحدثت الاعترافات سلسلة تفاعلات متداخلة. أولًا، ارتفعت كلفة الاستمرار في إدارة الوقت، إذ انتقل الملف من مربّع تفاوض ثنائي محدود إلى فضاء التزام دولي تُراقبه عواصم نافذة ومؤسسات تمويل وتنمية. ثانيًا، أعادت الاعترافات إحياء مركز ثقل قانوني وأخلاقي يحاصر السياسات الأحادية، من توسّع الاستيطان إلى الحصار، ويجعلها مكلفة دبلوماسيًا. ثالثًا، فتحت الباب أمام حزمة أدوات اقتصادية–تنموية مشروطة بالتهدئة والتقدم السياسي، بما يبدّل تعريف (المعونة) من حالة مؤقتة إلى رافعة استقرار. رابعًا، فرضت على الأطراف التي تراهن على الزمن أن تُدرك أن (اليوم التالي) ليس وعدًا مرنًا بل جدول أعمال يضم المعابر والأسرى وإعادة الإعمار وترتيبات أمنية لا تُترك للاجتهادات.


بالنسبة للأردن، الفرصة كبيرة بقدر صعوبتها، فالمملكة تقف على خطوط تماس إنسانية وأمنية في آن واحد: إدارة جسر إغاثي مستمر إلى غزة، ضبط حدود تتعرّض لمحاولات تهريب وتسلل وتوظيف للمسيرات، وحماية النسيج الداخلي من ارتدادات المشهد الإقليمي، الحكمة الأردنية هنا ليست شعارًا، بل (منهج تشغيل) ضمن دبلوماسية هادئة تراكم الإجماع على حل الدولتين وتشد أطرافه نحو التنفيذ، وعمل ميداني إغاثي محترف يقلل النزيف ويصون كرامة الناس، وردع حدودي ذكي يوحد الرسالة ويمنع الفوضى من عبور الجغرافيا إلى الداخل، هذا الثلاثي يمنح عمّان شرعية قيادة واقعية تحمي الثوابت في القدس والضفة، وممارسة يومية تُقاس بنتائج ملموسة.


عمليًا، الاعترافات تمنح الأردن هامش مناورة أوسع في ثلاث دوائر، في الدائرة الدولية، يمكن تحويل الزخم إلى ضمانات تمويل واستثمار لإعادة الإعمار والبنى التحتية العابرة للحدود، بشرط الشفافية وربط التمويل بمصفوفات تقدم قابلة للقياس، في الدائرة العربية والإقليمية، يتيح الإدراك المتنامي لترابط الأمن أن تتقدم ترتيبات حدودية أكثر صلابة مع الجوار، بما يخفّض كلفة التهريب ويُحجّم اقتصاد المخدرات والسلاح. وفي الدائرة الداخلية، يتيح اقتران الاعترافات بخطوات عملية أن تترجم السياسة إلى مكاسب محسوسة: انسياب مساعدات، وصيانة سلاسل إمداد.

لكن الفرصة تحاذي اختبارًا صارمًا: الاعترافات من دون وقف مستدام لإطلاق النار، وتجميد للوقائع الأحادية، وممرات إنسانية مؤسسية، وترتيبات أمنية دقيقة، ستتآكل بمرور الوقت وتتحول إلى (سلام بارد) أعلى نبرة من الماضي وأضعف أثرًا منه، المطلوب، كما تلخصه المقاربة الأردنية، مصفوفة تنفيذ بثلاث طبقات: جدول زمني معلَن، مؤشرات أداء تتعقبها آليات متابعة مستقلة، ومزيج متوازن من الحوافز والضغوط يدعم من يلتزم ويحمل كلفة سياسية ودبلوماسية لمن يعرقل. عند هذه النقطة، يصبح خريف الاعترافات بداية مسار تصحيحي لا محطة رمزية؛ ويصبح صوت الحكمة الأردنية دليل عملٍ يحول العدالة إلى أمن مستدام، ويصوغ للإقليم معادلةً بسيطة ومكلفة في آن: لا أمن بلا دولة فلسطينية قابلة للحياة، ولا دولة بلا تنفيذ يُرى ويُقاس على الأرض.

قد يكون خريف الاعترافات بداية ربيع سياسي مختلف، شرط أن تترجم الحكمة الأردنية إلى خريطة تنفيذ ملموسة، تجعل من العدالة أساسًا للأمن، ومن الدولة الفلسطينية حقيقة لا تؤجل.











طباعة
  • المشاهدات: 5873
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
29-09-2025 09:00 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
ما مدى رضاكم عن أداء وزارة الاتصال الحكومي بقيادة الوزير محمد المومني؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم