29-09-2025 08:58 AM
بقلم : تهاني روحي
انتهت في عمّان قبل أيام فعاليات ملتقى الإعلام الأردني، الذي جمع عددا لا بأس به من الإعلاميين وصنّاع المحتوى من داخل الأردن وخارجه. لم يكن الملتقى لقاءً عابرًا في نسخته الثالثة، بل محطة جادّة للتفكير في حاضر ومستقبل الإعلام، في زمنٍ لم يعد يستطيع فيه هذا القطاع أن يعيش في فضاء تقليدي، وإنما يخوض سباقًا محمومًا مع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والوسائط الرقمية المتغيرة.
ونخشى في هذا السباق المحموم، أن نغفل في خضم السرعة عن مواجهة الأخبار المضللة، ونحن نسعى لتلبية تطلعات جمهور يستهلك المحتوى على مدار الساعة عبر هاتفه المحمول. هذه التحديات تفرض على الإعلامي أن يطوّر أدواته باستمرار، وأن يجمع بين سرعة التفاعل وعمق الفهم، حتى يبقى قادرًا على أداء دوره في التنوير وخدمة الصالح العام.
الملتقى الذي نظمه مركز حماية وحرية الصحفيين في عمان، والذي حمل شعارا هذا العام: «الإعلام من الحرية والحماية إلى التمكين والتغيير»، أعاد التأكيد على أن التكنولوجيا ليست غاية بحد ذاتها، بل وسيلة يمكن أن تنهض بالمهنة إذا ما وُضعت في سياقها الصحيح. فالمطلوب هو الاستفادة من إمكانات الذكاء الاجتماعي والرقمي، من دون أن نفقد البوصلة الأخلاقية التي تقوم عليها المهنة: النزاهة، الدقة، والالتزام بالمسؤولية الاجتماعية. هنا يبرز التوازن الدقيق بين الحرية والانفتاح من جهة، وبين الضوابط المهنية التي تحمي المجتمع من التضليل أو الانزلاق نحو خطاب الكراهية من جهة أخرى.
إن الإعلام، وهو يصوغ خطابًا عامًا في عصر الانقسامات الذي يشهده العالم أجمع، مدعو إلى أن يكون مساحة للوئام لا منصة للتفرقة. صياغة الخبر، اختيار الصور، وانتقاء الكلمات ليست تفاصيل ثانوية، بل عوامل تصنع الفارق بين تغطية منصفة أو مجحفة. وهنا يكتسب دور الإعلامي قيمة مضاعفة، كونه ليس مجرد ناقل للحدث، بل مؤثر في تشكيل الرأي العام وبناء جسور التفاهم. الالتزام بتجنب كافة أشكال التعصب والتمييز ليس واجبًا مهنيًا فقط، بل مسؤولية أخلاقية تعزز الثقة بالإعلام وتجعله شريكًا في الإصلاح المجتمعي.
الشباب هم قادة الإعلام وصنّاعه وليسوا مجرد جيل للمستقبل، ولذا فإن منحهم مساحة للتعبير عن آرائهم وتعزيز ثقافة قبول الآخر لديهم يعد من أهم استثماراتنا. أدوات الاتصال الحديثة، وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تكون جسرًا للتلاقي والتفاهم إذا ما استُخدمت بوعي، بدل أن تتحول إلى جدران تفصل بين الناس. فالإنترنت هو مرآة لما يجري في العالم من حولنا، يحمل في طياته إمكانات البناء والهدم معًا. إذا ما تسلح الإعلاميون بالقيم الإنسانية الرفيعة، فإنهم قادرون على تسخير هذه الوسائل لنشر الكلمة الطيبة، وإشاعة روح التفاؤل، وإرساء ثقافة السلام.
لقد أثبت الملتقى أن اللقاء المباشر بين الإعلاميين، رغم وفرة أدوات التواصل الافتراضي، لا يزال ضرورة لتعزيز الثقة وبناء المبادرات المشتركة. والأهم أن هذه اللقاءات ينبغي أن تتحول إلى تقليد دوري ترافقه خطط عملية، كي تنتقل التوصيات من القاعات إلى حيز التنفيذ.
وفي النهاية، إذا كان الإعلام يواجه تحولات متسارعة وغير مسبوقة، فإن انعقاد مثل هذه الملتقيات يمنحنا فرصة لالتقاط الأنفاس، وإعادة صياغة دور الإعلام بما ينسجم مع روح العصر ويحافظ في الوقت ذاته على جوهره القيمي. فالإعلام الذي يوازن بين التطور التكنولوجي وأخلاقيات المهنة، لا يحافظ على حضوره في المشهد العام فحسب، بل يسهم في تشكيل وعي الناس، وصناعة مستقبل أكثر إنسانية وعدالة ووئامًا.
1 - |
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
|
29-09-2025 08:58 AM
سرايا |
لا يوجد تعليقات |