حرية سقفها السماء

وكالة سرايا الإخبارية

إبحــث في ســــرايا
الإثنين ,13 أكتوبر, 2025 م
طباعة
  • المشاهدات: 9678

زياد فرحان المجالي يكتب: ترامب ونتنياهو: خرائط جديدة تُرسم على دماء غزة

زياد فرحان المجالي يكتب: ترامب ونتنياهو: خرائط جديدة تُرسم على دماء غزة

زياد فرحان المجالي يكتب: ترامب ونتنياهو: خرائط جديدة تُرسم على دماء غزة

28-09-2025 08:19 AM

تعديل حجم الخط:

بقلم : زياد فرحان المجالي
ما يُطرح اليوم على الطاولة ليس مجرد هدنة مؤقتة ولا صفقة تبادل أسرى. ما يُرسم في الغرف المغلقة هو محاولة لإعادة كتابة الشرق الأوسط من جديد، بخطوط متعرجة على خرائط يختلط فيها الحبر بالنار والدم. ترامب يقدّم نفسه باعتباره الرجل الذي يستطيع أن يوقف الحرب ويصنع "السلام"، لكنه في الحقيقة يتحرك بعقلية التاجر الذي يقايض الدم بالاستثمار، ويحوّل المأساة الإنسانية في غزة إلى سلعة تفاوضية تُعرض في مزاد السياسة. أما نتنياهو، فليس أمامه سوى المناورة بين مطرقة المحاكم التي تطارده في الداخل بتهم الفساد، وسندان حرب مفتوحة تُطوقه خارجيًا وتلتهم ما تبقى من صورته.
خطة الـ ٢١ نقطة: مشروع لإعادة رسم الإقليم
الخطة التي سُميت بـ"٢١ نقطة" تبدو على الورق كأنها خارطة طريق ليوم ما بعد الحرب في غزة، لكنها في جوهرها مشروع لإعادة ترتيب المنطقة كلها. فيها بنود عن غزة، لكن روحها تمتد إلى الضفة الغربية، والسعودية، وسوريا. ترامب يتصرف كمن يمسك بخيوط كثيرة في وقت واحد، فيما يحاول نتنياهو ألا يترك خيطًا واحدًا يفلت من يده، حتى لو كان خيط مشنقة يُطوق رقبته.
البند الأكثر حساسية كان إطلاق جميع الأسرى خلال ٧٢ ساعة. ترامب صاغه كأنه مبادرة إنسانية، لكنه في الحقيقة أداة ضغط على نتنياهو. العائلات الإسرائيلية التي اعتصمت في الشوارع باتت تدرك أن استمرار الحرب لن يُعيد أبناءها، وأن الاستنزاف لا ينتهي إلا بالصفقة. نتنياهو هنا يواجه معضلة مزدوجة: إن رفض ظهر بمظهر من يخذل شعبه، وإن قبل خسر معسكره اليميني الذي يطالبه بالحسم العسكري حتى النهاية.
ولذلك يلوّح بخيار ثالث ملتبس: قبول الخطة مؤقتًا لإنقاذ الأسرى، ثم العودة للقتال لاحقًا بحجة أن حماس لم تنفذ التزاماتها. هذا الخيار لا يحل الأزمة، بل يفضحها: إسرائيل تريد أن تأخذ كل شيء ولا تُعطي شيئًا، وأن تخرج من الصفقة كأنها "منتصرة" ولو كان ذلك عبر خداع سياسي مؤقت.
الانقسام الداخلي: حكومة بلا بوصلة
داخل إسرائيل، بدا الانقسام صارخًا. بن غفير هاجم نتنياهو علنًا، متهمًا إياه بالاستسلام والخيانة. في المقابل، عرض يائير لبيد "شبكة أمان سياسية" لدعمه إذا اختار الصفقة. بين هذين النقيضين يقف الشارع الإسرائيلي ممزقًا: جزء يريد إنقاذ الأسرى بأي ثمن، وآخر يخشى أن يؤدي ذلك إلى تكريس حماس كقوة سياسية. لكن المزاج العام بدأ ينحاز إلى إنهاء المأساة، بعد أن اكتشف الإسرائيليون أن تفوقهم العسكري لا يضمن لهم شيئًا أمام فصائل تقاتل بعناد مذهل.
الصحف العبرية نفسها صارت تتحدث عن "شعور المنفى المعكوس": الإسرائيلي الذي كان يفاخر بانتمائه إلى دولة حديثة يجد نفسه مطرودًا من الجامعات والملاعب والمطاعم، بينما الفلسطيني الذي صُوّر يومًا كأنه "شعب بلا حضارة" يكتشف العالم أن حضارته تصرخ من تحت الركام.
قطر وإسبانيا: تحالف الرياضة والسياسة
الخطة الأميركية لا تتحرك في فراغ، بل وسط معركة رمزية كبرى تدور على جبهات ناعمة. إسرائيل تتهم قطر بأنها المحرك الخفي وراء الضغوط الأوروبية لمعاقبتها رياضيًا، بالتنسيق مع إسبانيا في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم. هذه الاتهامات لم تعد مجرد دعاية: صحيفة التايمز كشفت أن لجنة تحقيق أممية خلصت إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، وأن ذلك وفر غطاءً قانونيًا لتعليق عضويتها رياضيًا.
إسبانيا ذهبت أبعد: لوّحت بعدم المشاركة في كأس العالم إذا سُمح للكيان بالمشاركة، وهو موقف غير مسبوق من دولة أوروبية كبرى. هكذا تحولت الرياضة من أداة تطبيع تستعملها إسرائيل لاختراق الوعي الشعبي، إلى ساحة عزل جماعي تُحاصرها فيها أصوات الملاعب وصفارات الاستهجان.
مصر: وساطة تحت السقف الإسرائيلي – الأميركي
مصر بدورها اختارت موقعًا بالغ الدقة. السيسي أعلن أن إدخال المساعدات لن يتم إلا بالتنسيق مع إسرائيل، وأن "مسؤوليته الأولى هي أمن المواطن المصري". هذه ليست مجرد رسالة للداخل المصري، بل هي أيضًا خطاب للخارج: مصر تريد أن تبقى الوسيط الذي لا غنى عنه، من دون أن تتحول إلى طرف مباشر في الحرب.
لكن تسريبات إسرائيلية كشفت أن نتنياهو طلب من إدارة ترامب الضغط على القاهرة لتقليص وجودها العسكري في سيناء، باعتبار أن التحركات المصرية هناك تمثل خرقًا لاتفاقية كامب ديفيد. هذه التسريبات تعكس طبيعة النظرة الإسرائيلية: لا وساطة إلا تحت السقف الذي ترسمه تل أبيب، ولا سيادة حتى في أرض سيناء بلا ضوء أخضر أميركي – إسرائيلي.
السعودية: الورقة الذهبية
السعودية تبقى الورقة الذهبية التي يتوقف عليها مصير الصفقة. نتنياهو يرى في التطبيع معها إنجازه الأكبر، فيما يدرك ترامب أن أي خطة من دون توقيع الرياض ستكون بلا وزن تاريخي. في الأمم المتحدة تحدث نتنياهو بتفاؤل مفرط عن قرب السلام مع المملكة، بينما صاغ ترامب بنود خطته وكأنها مفاتيح باب الرياض: وقف نار شامل، قوة متعددة الجنسيات، استثمارات خليجية لإعمار غزة.
لكن السعودية تدرك أن التوقيع على ورقة واحدة قد يعيد رسم موازين الشرق الأوسط كله. لذلك تتريث، تراقب، وتحسب خطواتها بدقة. هي ليست في عجلة من أمرها، لكنها تعرف أن لحظة التوقيع – إن جاءت – ستفتح فصلًا جديدًا، لا يمكن التراجع عنه بسهولة.
الضفة الغربية: شطب اللاجئين ومحاولة محو التاريخ
غزة لم تكن سوى الفصل الأول. فالخطة الأميركية تمتد إلى الضفة الغربية بجرأة أكبر. البنود تتحدث عن إلغاء صفة "لاجئ"، وهو ما يعني شطب حق العودة من جذوره، وتحويل المخيمات إلى أحياء "عادية" بلا ذاكرة. الأونروا، التي بقيت لعقود شاهدًا دوليًا على النكبة، تُطوى صفحتها تحت ذريعة "إصلاح المؤسسات". أما المناهج، فيُراد لها أن تُعاد صياغتها ضمن عملية "إزالة التطرف"، أي إنتاج وعي فلسطيني جديد متصالح مع الرواية الإسرائيلية.
هذا ليس إصلاحًا إداريًا بل عملية اقتلاع للذاكرة. المطلوب أن ينسى الفلسطيني تاريخه، وأن يقطع الجيل الجديد صلته بالنكبة. إنها محاولة لتفريغ الهوية من مضمونها وتحويلها إلى مجرد بطاقة تعريف بلا جذور.
سوريا: الفخ الجديد
وما يثير القلق أكثر أن الخطة لا تتوقف عند فلسطين. تقارير إسرائيلية وعربية تحدثت عن "فخّ" يجري إعداده في الشمال السوري، يستهدف أحمد الشرع بصفته رئيس سوريا والمعترف به في الأمم المتحدة. وكأن إسرائيل ترى أن التخلص من غزة يجب أن يتبعه التخلص من أي "مخاطر" في سوريا.
لكن المسألة أوسع: سوريا ليست مجرد ساحة ثانوية، بل ميدان جديد لتصفية الحسابات مع تركيا وروسيا وإيران. أي عملية هناك قد تفتح أبوابًا لفوضى إقليمية شاملة، تعيد إلى الأذهان مشاهد 2011 لكن في سياق أكثر اشتعالًا.
المنفى المعكوس: عزلة عالمية
إسرائيل التي طالما قدّمت نفسها كـ"الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، تجد نفسها اليوم معزولة أكثر من أي وقت مضى. جامعات تغلق أبوابها، مطاعم ترفض استقبال الإسرائيليين، اتحادات رياضية تفكر بتعليق عضويتها، ومنصات رقمية تحجب دعايتها. هذا النوع من الحصار الحضاري لا تواجهه الطائرات ولا الدبابات. إنه حصار يطوّق الوعي، ويجعل الإسرائيلي يشعر أنه منبوذ في عالم كان يظن أنه حليفه الطبيعي.
غزة وبيروت: الراية البيضاء التي لم تُرفع
عند هذه النقطة، يطل السؤال الأخطر: هل الهدف النهائي أن ترفع المقاومة الراية البيضاء، كما حدث لمنظمة التحرير في بيروت عام 1982؟ يومها خرجت الفصائل الفلسطينية محمولة على السفن تحت رايات بيضاء، في مشهد أراده الإسرائيليون نهاية القضية. لكن التاريخ أثبت عكس ذلك: الراية البيضاء في بيروت لم تُنهِ الصراع، بل فتحت مرحلة جديدة انتهت بانتفاضتين، وبعودة المقاومة إلى قلب فلسطين لا إلى هامشها.
اليوم يريدون لغزة أن تعيش لحظة مشابهة: خروج المجاهدين أو نزع سلاحهم تحت ضغط الجوع والقصف. لكن غزة تعلّمت من درس بيروت أن الراية البيضاء ليست نهاية، بل بداية لمنفى جديد. لذلك يقاتل المقاومون اليوم كأنهم يحفرون في الذاكرة جملة واحدة: "لن نخرج كما خرجنا من بيروت".
الدم كذاكرة عالمية
ورغم كل هذه الحسابات السياسية، يبقى الدم الفلسطيني هو الحقيقة التي لا يمكن تغطيتها. دم الأطفال والشيوخ والنساء تحوّل إلى ذاكرة محفورة في الضمير الإنساني. الصور القادمة من غزة أصبحت رمزًا عالميًا للظلم، مثلما كانت صور سوتشي ودا نانغ وهيروشيما في الذاكرة العالمية. هذه الذاكرة لا تُمحى بالدعاية، ولا تُشطب بالخرائط.
ومع كل قطرة دم، ينهض المجاهدون من كل الفصائل، يعيدون عقارب الساعة إلى الوراء، ويثبتون أن من ظن أن فلسطين "أرض بلا شعب" كان يقرأ التاريخ بعيون عمياء. الآن، تحت الركام، وسط النار، تتجسد الحقيقة: أن شعبًا بأكمله يقاتل بجسده وروحه، وأن ذاكرة النكبة تحولت إلى سلاح أشد مضاءً من أي دبابة أو طائرة.
---
ملحق توثيقي – مصادر المقال
إسرائيل اليوم: تفاصيل خطة الـ٢١ نقطة، إلغاء صفة لاجئ، إنهاء الأونروا، إصلاح المناهج، الاستثمارات الخليجية.
واللا: ضغوط ترامب على نتنياهو، ومنعه من ضم الضفة، وتصريحات "السلام بالسيف".
يديعوت أحرونوت: مبادرة إطلاق الأسرى خلال ٧٢ ساعة، الانقسام الداخلي، هجوم بن غفير، دعم لبيد.
التايمز البريطانية: تقرير لجنة التحقيق الأممية وإدانة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.
لوموند الفرنسية: تفاصيل المباريات في ملاعب محايدة، استبعاد فريق Israel-Premier Tech.
معاريف: تصريحات السيسي حول غزة وأمن مصر، والتسريبات عن سيناء، والتقارير عن "فخ أحمد الشرع".
تقارير أوروبية: إلغاء مشاركات إسرائيلية في مهرجانات ثقافية وفنية.
بيانات BDS: توسع المقاطعة الأكاديمية والثقافية عالميًا.
---
بقلم: زياد فرحان المجالي








طباعة
  • المشاهدات: 9678
 
1 -
ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه.
28-09-2025 08:19 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
برأيك.. هل تنجح "إسرائيل" بنزع سلاح حماس كما توعد نتنياهو رغم اتفاق وقف الحرب بغزة؟
تصويت النتيجة

الأكثر مشاهدة خلال اليوم

إقرأ أيـضـاَ

أخبار فنية

رياضـة

منوعات من العالم